تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٨
الحمقاء. و * (من فرعون) *: بدل * (من العذاب) *، على حذف مضاف، أي من عذاب فرعون. أولا حذف جعل فرعون نفسه هو العذاب مبالغة. وقيل: يتعلق بمحذوف، أي كائنا وصادرا من فرعون. وقرأ ابن عباس: * (من فرعون) *، من: استفهام مبتدأ، وفرعون خبره. لما وصف فرعون بالشدة والفظاعة قال: من فرعون؟ على معنى: هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته؟ ثم عرف حاله في ذلك بقوله: * (إنه كان عاليا من المسرفين) *: أي مرتفعا على العالم، أو متكبرا مسرفا من المسرفين.
* (ولقد اخترناهم) *: أي اصطفيناهم وشرفناهم. * (على علم) * علم مصدر لم يذكر فاعله، فقيل: على علم منهم، وفضل فيهم، فاخترناهم للنبوات والرسالات. وقيل: على علم منا، أي عالمين بمكان الخيرة، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا. وقيل: على علم منا بما يصدر من العدل والإحسان والعلم والإيمان، بأنهم يزيفون، وتفرط منهم الهنات في بعض الأموال. وقيل: اخترناهم بهذا الإنجاء وهذه النعم على سابق علم لنا فيهم، وخصصناهم بذلك دون العالم. * (على العالمين) *: أي عالمي زمانهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم) مفضلة عليهم. وقيل: على العالمين عام لكثرة الأنبياء فيهم، وهذا خاص بهم ليس لغيرهم. وكان الاختيار من هذه الجهة، لأن أمة محمد أفضل. وعلى، في قوله: * (على علم) *، ليس معناها معنى على في قوله: * (على العالمين) *، ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول، كقوله:
* ويوما على ظهر الكتيب تعذرت * علي وآلت حلفة لم يحلل * فعلى علم: حال، إما من الفاعل، أو من المفعول. وعلى ظهر: حال من الفاعل في تعذرت، والعامل في ذي الحال. * (وءاتيناهم من الايات) *: أي المعجزات الظاهرة في قوم فرعون، وما ابتلوا به؛ وفي بني إسرائيل مما أنعم به عليهم من تظليل الغمام والمن والسلوى، وغير ذلك مما لم يظهرها لغيرهم. * (ما فيه بلؤ ا) *: أي اختبار بالنعم ظاهر، أو الابتلاء بالنعم كقوله: * (ونبلوكم بالشر والخير) *. * (إن هؤلآء) *: يعني قريشا، وفي اسم الإشارة تحقير لهم. * (ليقولون * إن هى إلا موتتنا الاولى) *: أي ما الموتة إلا محصورة في موتتنا الأولى. وكان قد قال تعالى: * (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) *، فذكر موتتين، أولى وثانية، فأنكروا هم أن يكون لهم موتة ثانية. والمعنى: ما آخر أمرنا ومنتهى وجودنا إلا عند موتتنا. فيتضمن قولهم هذا إنكار البعث، ثم صرحوا بما تضمنه قولهم، فقالوا: * (وما نحن بمنشرين) *: أي بمبعوثين بحياة دائمة يقع فيها حساب وثواب وعقاب؛ وكان قولهم ذلك في معنى قولهم: * (إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) *.
* (فأتوا بئابائنا) *: خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، وللمؤمنين الذين كانوا يعدونهم بالبعث، أي إن صدقتم فيما تقولون، فأحيوا لنا من مات من أبنائنا، بسؤالكم ربكم، حتى يكون ذلك دليلا على البعث في الآخرة. قيل: طلبوا من الرسول أن يدعوا الله فيحيى لهم قصي بن كلاب، ليشاوروه في صحة النبوة والبعث، إذ كان كبيرهم ومشاورهم في النوازل. * (أهم) *: أي قريش، * (خير أم قوم تبع) *؟ الظاهر أن تبعا هو شخص معروف، وقع التفاضل بين قومه وقوم الرسول عليه الصلاة والسلام. وإن كان لفظ تبع يطلق على كل من ملك العرب، كما يطلق كسرى على من ملك الفرس، وقيصر على من ملك الروم؛ قيل: واسمه أسعد الحميري، وكنى أبا كرب؛ وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم) قبل أن يبعث بسبعمائة سنة. وروي أنه لما آمن بالمدينة، كتب كتابا ونظم شعرا. أما الشعر فهو:
* شهدت على أحمد أنه * رسول من الله باري النسم * * فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا له وابن عم * وأما الكتاب، فروى ابن إسحاق وغيره أنه كان فيه: أما بعد: فإني آمنت بك، وبكتابك الذي أنزل عليك، وأنا على
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»