منتقمون) *، قال: يعني يوم بدر. وقال عبد الرحمن: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. وقال عبد الرحمن الأعرج: * (يوم تأتى السماء) *، هو يوم فتح مكة، لما حجبت السماء الغبرة. وفي حديث حذيفة: أول الآيات خروج الدجال، والدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن؛ وفيه قلت: يا نبي الله، وما الدخان على هذه الآية: * (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) *؟ وذكر بقية الحديث، واختصرناه بدخان مبين، أي ظاهر. لا شك أنه دخان * (يغشى الناس) *: يشملهم. فإن كان هو الذي رأته قريش، فالناس خاص بالكفار من أهل مكة، وقد مضى كما قال ابن مسعود؛ وإن كان من أشراط الساعة، أو يوم القيامة، فالناس عام فيمن أدركه وقت الأشراط، وعام بالناس يوم القيامة. * (هاذا عذاب) * إلى * (مؤمنون) * في موضع نصب بفعل القول محذوفا، وهو في موضع الحال، أي يقولون. ويجوز أن يكون إخبارا من الله، كأنه تعجب منه، كما قال في قصة الذبيح: * (إن هاذا لهو البلاء المبين) *.
* (إنا مؤمنون) *: وعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب، والإيمان واجب، كشف العذاب أو لم يكشف. * (أنى لهم الذكرى) *: أي كيف يذكرون ويتعظون ويقولون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب، وقد جاءهم ما هو أعظم؟ وأدخل في باب الادكار من كشف الدخان؟ وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الآيات والبينات، من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات، فلم يذكروا، وتولوا عنه وبهتوه بأن عداسا غلاما أعجميا لبعض ثقيف هو الذي علمه، ونسبوه إلى الجنون. وقرأ زر بن حبيش: معلم، بكسر اللام. * (إنا كاشفوا العذاب قليلا) *: إخبار عن إقامة الحجة عليهم، ومبالغة في الإملاء لهم. ثم أخبر أنهم عائدون إلى الكفر. وقال قتادة: هو توعد بمعاد الآخرة: وإن كان الخطاب لقريش حين حل بهم الجدب، كان ظاهرا؛ وإن كان الدخان قبل يوم القيامة، فإذا أتت السماء بالعذاب، تضرع منافقوهم وكافروهم وقالوا: ربنا اكشف عنا العذاب، إنا مؤمنون. فيكشف عنهم، قيل: بعد أربعين يوما؛ فحين يكشفه عنهم يرتدون. ويوم البطشة الكبرى على هذا: هو يوم القيامة، كقوله: * (فإذا جاءت الطامة الكبرى) *. وكونه يوم القيامة، هو قول ابن عباس والحسن وقتادة. وكونه يوم بدر، هو قول عبد الله وأبي وابن عباس ومجاهد. وانتصب يوم نبطش، قيل: بذكراهم، وقيل: بننتقم الدال عليه منتقمون، وضعف بأنه لا نصب إلا بالفعل، وقيل: بمنتقمون. ورد بأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها. وقرأ الجمهور: نبطش، بفتح النون وكسر الطاء؛ والحسن، وأبو جعفر: بضمها؛ والحسن أيضا، وأبو رجاء، وطلحة: بضم النون وكسر الطاء، بمعنى: نسلط عليهم من يبطش بهم. والبطشة على هذه القراءة ليس منصوبا بنبطش، بل بمقدر، أي نبطش ذلك المسلط البطشة، أو يكون البطشة في معنى الإبطاشة، فينتصب بنبطش.
* (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون) *: هذا كالمثال لقريش، ذكرت قصة من أرسل إليهم موسى عليه السلام، فكذبوه، فأهلكهم الله. وقرئ: فتنا، بتشديد التاء، للمبالغة في الفعل، أو التكثير، متعلقة * (وجاءهم رسول كريم) *: أي كريم عند الله وعند المؤمنين، قاله الفراء؛ أو كريم في نفسه، لأن الأنبياء إنما يبعثون من سروات الناس، قاله أبو سليمان؛ أو كريم حسن الخلق، قاله مقاتل. * (أن أدوا إلى عباد الله) * يحتمل أن تكون أن تفسيرية، لأنه تقدم ما يدل على معنى القول، وهو رسول كريم، وأن تكون أن مخففة من الثقيلة أو الناصبة للمضارع، فإنها توصل بالأمر. قال ابن عباس: أن أدوا إلي الطاعة يا عباد الله: أي اتبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان. وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل، كم قال: فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم. فعلى ابن عباس: عباد الله: منادى، ومفعول أدوا محذوف؛ وعلى قول مجاهد ومن ذكر معه: عباد الله: مفعول أدوا. * (إني لكم رسول أمين) *: أي غير متهم، قد ائتمنني الله على وحيه ورسالته.
* (وأن لا تعلوا على الله) *: أي لا تستكبروا على عبادة الله، قاله يحيي بن سلام. قال ابن جريح: لا تعظموا على الله. قيل: والفرق بينهما أن التعظيم تطاول المقتدر، والاستكبار ترفع المحتقر، ذكره الماوردي، وأن هنا كان السابق في أوجهها الثلاثة. * (وأن لا تعلوا على) *: أي بحجة واضحة في