نفسها، وموضحة صدق دعواي. وقرأ الجمهور: إني، بكسر الهمزة، على سبيل الإخبار؛ وقرأت فرقة: بفتح الهمزة. والمعنى: لا تعلوا على الله من أجل أني آتيكم، فهذا توبيخ لهم، كما تقول: أتغضب إن قال لك الحق؟ * (وإنى عذت) *: أي استجرت * (بربى وربكم أن ترجمون) *: كانوا قد توعدوه بالقتل، فاستعاذ من ذلك. وقرئ: عدت، بالإدغام. قال قتادة وغيره: الرجم هنا بالحجارة. وقال ابن عباس، وأبو صالح: بالشتم؛ وقول قتادة أظهر، لأنه قد وقع منهم في حقه ألفاظ لا تناسب؛ وهذه المعاذة كانت قبل أن يخبره تعالى بقوله: * (فلا يصلون إليكما) *.
* (فدعا ربه) *: أني مغلوب فانتصر، * (إن هؤلآء) *: لفظ تحقير لهم. وقرأ الجمهور: أن هؤلاء، بفتح الهمزة، أي بأن هؤلاء. وقرأ ابن أبي إسحاق، وعيسى، والحسن في رواية، وزيد بن علي: بكسرها. * (فأسر بعبادى) *: في الكلام حذف، أي فانتقم منهم، فقال له الله: أسر بعبادي، وهم بنوا إسرائيل ومن آمن به من القبط. وقال الزمخشري: فيه وجهان: إضمار القول بعد الفاء، فقال: أسر بعبادي، وأن يكون جوابا بالشرط محذوف؛ كأنه قيل: قال إن كان الأمر كما تقول، فأسر بعبادي. انتهى. وكثيرا ما يجيز هذا الرجل حذف الشرط وإبقاء جوابه، وهو لا يجوز إلا لدليل واضح؛ كأن يتقدمه الأمر وما أشبهه مما ذكر في النحو، على خلاف في ذلك. * (إنكم متبعون) *: أي يتبعكم فرعون وجنوده، فتنجون ويغرق المتبعون. * (واترك البحر رهوا) *: قال ابن عباس: ساكنا كما أجراه. وقال مجاهد وعكرمة: يبسا من قوله: * (فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا) *. وقال الضحاك: دمثا لينا. وقال عكرمة: جددا. وقال ابن زيد: سهلا. وقال مجاهد أيضا: منفردا. قال قتادة: أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه، لما قطعه، حتى يلتئم؛ وخاف أن يتبعه فرعون، فقيل: لمه هذا؟ * (إنهم جند مغرقون) *: أي فيه، لأنهم إذا رأوه ساكنا على حالته حين دخل فيه موسى وبنوا إسرائيل، أو مفتوحا طريقا يبسا، دخلوا فيه، فيطبقه الله عليهم.
* (كم تركوا) *: أي كثيرا تركوا. * (من جنات وعيون) *: تقدم تفسيرهما في الشعراء. وقرأ الجمهور: * (ومقام) *، بفتح الميم. قال ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير: أراد المقام. وقرأ ابن هرمز، وقتادة، وابن السميفع، ونافع: في رواية خارجة بضمها. قال قتادة: أراد المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها. * (ونعمة) *، بفتح النون: نضارة العيش ولذاذة الحياة. وقرأ أبو رجاء: * (ونعمة) *، بالنصب، عطفا على كم * (كانوا فيها فاكهين) *. قرأ الجمهور: بألف، أي طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة، كلابن، وتامر، وأبو رجاء، والحسن: بغير ألف. والفكه يستعمل كثيرا في المستخف المستهزىء، فكأنهم كانوا مستخفين بشكل النعمة التي كانوا فيها. وقال الجوهري: فكه الرجل، بالكسر، فهو فكه إذا كان مزاجا، والفكه أيضا الأشر. وقال القشيري: فاكهين: لاهين كذلك. وقال الزجاج: والمعنى: الأمر كذلك، فيوقف على كذلك؛ والكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف؛ وقيل: الكاف في موضع نصب، أي يفعل فعلا كذلك، لمن يريد إهلاكه. وقال الكلبي: كذلك أفعل بمن عصاني. وقال الحوفي: أهلكنا إهلاكا، وانتقمنا انتقاما كذلك. وقال الزمخشري: الكاف منصوبة على معنى: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها، * (وأورثنا * قوما ءاخرين) * ليسوا منهم، وهم بنوا إسرائيل. كانوا مستعبدين في يد القبط، فأهلك الله تعالى القبط على أيديهم وأورثهم ملكهم. وقال قتادة، وقال الحسن: إن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون، وضعف قول قتادة بأنه لم يرو في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان، ولا ملكوها قط؛ إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشأم. انتهى. ولا اعتبار بالتواريخ، فالكذب فيها كثير، وكلام الله صدق. قال تعالى في سورة الشعراء: * (كذلك وأورثناها بنى إسراءيل) * وقيل: قوما آخرين ممن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل. * (فما بكت عليهم السماء والارض) *: استعارة لتحقير أمرهم، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء. ويقال في التعظيم: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس. وقال زيد بن مفرغ: