تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٩
* متى ما يشا ذو الود يصرم خليله * ويعبد عليه لا محالة ظالما * وأما القول بأن إن نافية، فمروي عن ابن عباس، والحسن، والسدي، وقتادة، وابن زيد، وزهير بن محمد، وقال مكي: لا يجوز أن تكون إن بمعنى ما النافية، لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت، وهذا مجال. انتهى. ولا يلزم منه محال، لأن كان قد تستعمل فيما يدوم ولا يزول، كقولك: * (وكان الله غفورا رحيما) *، أي لم يزل، فالمعنى: ما كان وما يكون. وقال أبو حاتم: العبد، بكسر الباء: الشديد الغضب. وقال أبو عبيدة: معناه أول الجاحدين. والعرب تقول: عبدني حقي، أي جحدني. وقرأ ولد بفتحتين. عبد الله، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش: بضم الواو وسكون اللام.
ثم قال: * (سبحان رب * السماوات والارض * رب العرش عما يصفون) *: أي من نسبة الولد إليه، والمعنى: إزالة العلم يجب أن يكون واجب الوجود، وما كان كذلك فهو فرد مطلق لا يقبل التجزي. والولد عبارة عن أن ينفصل عن الشيء جزء من أجزائه، فيتولد منه شخص مثله، ولا يكون إلا فيما هو قابل ذاته للتجزي، وهذا محال في حقه تعالى، فامتنع إثبات الولد. ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال: * (فذرهم يخوضوا) *، أي في باطلهم، * (ويلعبوا) *، أي في دنياهم. وظاهر هذين الأمرين مهادنة وترك، وذلك مما نسخ بآية السيف. وقرأ الجمهور: * (حتى يلاقوا) *، وأبو جعفر، وابن محيصن، وعبيد بن عقيل، عن أبي عمرو: يلقوا، مضارع لقي. * (يومهم الذى يوعدون) *: يوم القيامة. وقال عكرمة وغيره: يوم بدر، وأضاف اليوم إليهم، لأنه الذي فيه هلاكهم وعذابهم. وقرأ الجمهور: إلاه فيهما. وقرأ عمر. وعبد الله، وأبي، وعلي، والحكم بن أبي العالي، وبلال بن أبي بردة، وابن يعمر، وجابر، وابن زيد، وعمر بن عبد العزيز، وأبو الشيخ الهنائي، وحميد، وابن مقسم، وابن السميفع: الله فيهما. ومعنى إلاه: معبود به، يتعلق الجار والمجرور، والمعنى: أنه هو معبود في السماء ومعبود في الأرض، والعائد على الموصول محذوف تقديره: هو إلاه، كما حذف في قولهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئا، وحسنه طوله بالعطف عليه، كما حسن في قائل لك شيئا طوله بالمعول. ومن قرأ: الله، ضمنه أيضا معنى المعبود، كما ضمن العلم في نحو قولهم: هو حاتم في طيىء، أي جواد في طيىء. ويجوز أن تكون الصلة الجار والمجرور. والمعنى: أنه فيهما بالإلهية والربوبية، إذ يستحيل حمله على الاستقرار. وفي قوله: * (وفى الارض) *، نفى لآلهتهم التي كانت تعبد في الأرض.
* (وعنده علم الساعة) *: أي علم تعيين وقت قيامها، وهو الذي استأثر به تعالى. وقرأ الجمهور: يرجعون، بياء الغيبة؛ ونافع، وعاصم، والعدنيان: بتاء الخطاب، وهو في كلتا القراءتين مبني للمفعول. وقرئ: بفتح تاء الخطاب مبنيا للفاعل. وقرأ الجمهور: بياء الغيبة وشد الدال، وعنه بتاء الخطاب وشد الدال، والمعنى: ولا يملك آلهتهم التي يدعون الشفاعة عند الله. قال قتادة: استثنى ممن عبد من دون الله عيسى وعزيرا والملائكة، فإنهم يملكون شفاعة بأن يملكها الله إياهم، إذ هم ممن شهد بالحق، وهم يعلمونه في أحوالهم، فالاستثناء على هذا متصل. وقال مجاهد وغيره: من المشفوع فيهم؟ كأنه قال: لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق، وهو يعلمه، أي بالتوحيد، قالوا: فالاستثناء على هذا منفصل، كأنه قال: لكن من شهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء. وهذا التقدير الذي قدروه يجوز أن يكون فيه الاستثناء متصلا، لأنه يكون المستثنى منه محذوفا، كأنه قال: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة في أحد، إلا فيمن شهد بالحق، فهو استثناء من المفعول المحذوف، كما قال الشاعر:
* نجا سالم والنفس منه بشدقه * ولم ينج إلا جفن سيف ومئزار *
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»