* (وأخذناهم بالعذاب) *: * (بالسنين ونقص من الثمرات) * و * (الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم) *، وذلك عقاب لهم، وآيات لموسى * (لعلهم يرجعون) * عن كفرهم. قال الزمخشري: لعلهم يرجعون، أراد أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان. فإن قلت: لو أراد رجوعهم لكان. قلت: إرادته فعل غيره، ليس إلا أن يأمره به ويطلب منه إيجاده، فإن كان ذلك على سبيل القسر وجد، والإداريين أن يوجد وبين أن لا يوجد على اختيار المكلف، وإنما لم يكن الرجوع، لأن الإرادة لم تكن قسرا ولم يختاروه. انتهى، وهو على طريق الاعتزال. وقال ابن عطية: لعلهم، ترج بحسب معتقد البشر وظنهم.
* (وقالوا يأيها * أيه * الساحر ادع لنا ربك) *: أي في كشف العذاب. قال الجمهور: هو خطاب تعظيم، لأن السحر كان علم زمانهم، أو لأنهم استصحبوا له ما كانوا يدعون به أولا، ويكون قولهم: * (بما عهد عندك إننا لمهتدون) *: إخبار مطابق مقصود، وقيل: بل خطاب استهزاء وانتقاص، ويكون قولهم: * (بما عهد عندك) *، أي على زعمك، وقوله: و * (إننا لمهتدون) *: إخبار مطابق على شرط دعائه، وكشف العذاب وعهد معزوم على نكثه. ألا ترى: * (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) *؟ وعلى القول الأول يكون قوله: * (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) * جاريا على أكثر عادة الناس، إذا مسه الضر تضرع ودعا، وإذا كشف عنه رجع إلى عادته الأولى، كقوله: * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) *، ثم إذا كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه. وقوله: * (بما عهد عندك) *، محتمل أن يكون من أن دعوتك مستجابة، وفي الكلام حذف، أي فدعا موسى، فكشف * (فلما كشفنا) *. وقرأ أبو حيوة: ينكثون، بكسر الكاف.
* (ونادى فرعون فى قومه) *: جعل القوم محلا للنداء، والظاهر أنه نادى عظماء القبط في محله الذي هو وهم يجتمعون فيه، فرفع صوته فيما بينهم لتنتشر مقالته في جميع القبط. ويجوز أن يكون أمر بالنداء، فأسند إليه. وسبب ندائه ذلك، أنه لما رأى إجابة الله دعوة موسى ورفع العذاب، خاف ميل القوم إليه، فنادى: * (قال ياءادم * قوم * أليس لى ملك مصر) *، أراد أن يبين فضله على موسى بملك مصر، وهي من إسكندرية إلى أسوان. * (وهاذه الانهار) *: أي الخلجان التي تجري من النيل، وأعظمها: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس. والواو في * (وهاذه الانهار) * واو الحال، وتجري خبر. وهذه والأنهار صفة ، أو عطف بيان. وجوز أن تكون الواو عاطفة على ملك مصر، وتجري حال. من تحتي: أي من تحت قهري وملكي. وقال قتادة: كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره. وقيل: كان له سرير عظيم، وقطع من نيل مصر قطعة قسمها أنهارا تجري من تحت ذلك السرير. وأبعد الضحاك في تفسيره الأنهار بالقواد والرؤساء الجبابرة، يسيرون تحت لوائه. ومن فسرها بالأموال، يعرفها من تحت يده. ومن فسرها بالخيل فقيل: كما سمى الفرس بحرا يسمي نهرا. وهذه الأقوال الثلاثة تقرب من تفاسير الباطنية.
* (أفلا تبصرون) * عظمتي وقدرتي وعجز موسى؟ وقرأ مهدي بن الصفير: يبصرون، بياء الغيبة؛ ذكره في الكامل للهذلي، والسباعي، عن يعقوب، ذكره ابن خالويه. قال الزمخشري: وليت شعري كيف ارتقت إلى دعوى الربوبية همة من تعاظم بملك مصر؟ وعجب الناس من مدى عظمته، وأمر فنودي بها في أسواق مصر وأزقتها، لئلا تخفى تلك الأبهة والجلالة على صغير ولا كبير حتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته. وكسر نون * (أفلا تبصرون) *، عيسى. وعن الرشيد، أنه لما قرأها قال: لأولينها أحسن عبيدي، فولاها الخصيب، وكان على وضوئه. وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها، فلما شارفها ووقع عليها قال: أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال: * (أليس لى ملك مصر) *؟ والله لهي أقل عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه. * (أم أنا خير من هاذا الذى هو مهين) *: الظاهر أنها أم المنقطعة المقدرة ببل والهمزة، أي بل أنا خير. وهو إذا استفهم أهو خير ممن هو ضعيف؟ لا يكاد يفصح عن مقصوده إذا تكلم، وهو الملك المتحكم فيهم، قالوا له: بلا شك أنت خير. وقال السدي وأبو عبيدة: أم بمعنى بل، فيكون انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأنه خير ممن ذكر، كقول الشاعر: