تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٤
قال: وأظن سبب هذا الترتيب: * (إن كنتم مؤمنين) *، فافهموا هذه الدلائل؛ فإن لم تكونوا مؤمنين ولا موقنين، فلا أقل أن تكونوا من العاقلين، فاجتهدوا. وقال هناك: * (إن في خلق * السماوات) *، وهنا: * (في السماوات) *، فدل على أن الخلق غير المخلوق، وهو الصحيح عند أصحابنا، ولا تفارق بين أن يقال: في السماوات، وفي خلق السماوات. انتهى، وفيه تلخيص وتقدم وتأخير.
* (تلك آيات الله) *: أي تلك الآيات، وهي الدلائل المذكورة؛ * (نتلوها) *: أي نسردها عليك ملتبسة بالحق، ونتلوها في موضع الحال، أي متلوة. قال الزمخشري: والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإشارة ونحوه، وهذا بعلى شيخا. انتهى، وليس نحوه، لأن في وهذا حرف تنبيه. وقيل: العامل في الحال ما دل عليه حرف التنبيه، أي تنبه. وأما تلك، فليس فيها حرف تنبيه عاملا بما فيه من معنى التنبيه، لأن الحرف قد يعمل في الحال: تنبه لزيد في حال شيخه وفي حال قيامه. وقيل: العامل في العامل في مثل هذا التركيب فعل محذوف يدل عليه المعنى، أي انظر إليه في حال شيخه، فلا يكون اسم الإشارة عاملا ولا حرف التنبيه، إن كان هناك. وقال ابن عطية: نتلوها، فيه حذف مضاف، أي نتلو شأنها وشرح العبرة بها. ويحتمل أن يريد بآيات الله القرآن المنزل في هذه المعاني، فلا يكون في نتلوها حذف مضاف. انتهى. ونتلوها معناه: يأمر الملك أن نتلوها. وقرئ: يتلوها، بياء الغيبة، عائدا على الله؛ وبالحق: بالصدق، لأن صحتها معلومة بالدلائل العقلية.
* (فبأى حديث) * الآية، فيه تقريع وتوبيخ وتهديد؛ * (بعد الله) *: أي بعد حديث الله، وهو كتابه وكلامه، كقوله: * (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) *؛ وقال: فبأي حديث بعده يؤمنون) *؛ أي بعد حديث الله وكلامه. وقال الضحاك: بعد توحيد الله. وقال الزمخشري: بعد الله وآياته، أي بعد آيات الله، كقولهم: أعجبني زيد وكرمه، يريدون: أعجبني كرم زيد. انتهى. وهذا ليس بشيء، لأن فيه من حيث المعنى إقحام الأسماء من غير ضرورة؛ والعطف والمراد غير العطف من إخراجه إلى باب البدل، لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في: أعجبني زيد كرمه، بغير واو على البدل؛ وهذا قلب لحقائق النحو. وإنما المعنى في: أعجبني زيد وكرمه، أن ذات زيد أعجبته، وأعجبه كرمه؛ فهما إعجابان لا إعجاب واحد، وقد رددنا عليه مثل قوله هذا فيما تقدم. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وقتادة، والحرميان، وأبو عمرو، وعاصم في رواية: يؤمنون، بالياء من تحت؛ والأعمش، وباقي السبعة: بتاء الخطاب؛ وطلحة: توقنون بالتاء من فوق، والقاف من الإيقان.
* (*) *؛ أي بعد حديث الله وكلامه. وقال الضحاك: بعد توحيد الله. وقال الزمخشري: بعد الله وآياته، أي بعد آيات الله، كقولهم: أعجبني زيد وكرمه، يريدون: أعجبني كرم زيد. انتهى. وهذا ليس بشيء، لأن فيه من حيث المعنى إقحام الأسماء من غير ضرورة؛ والعطف والمراد غير العطف من إخراجه إلى باب البدل، لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في: أعجبني زيد كرمه، بغير واو على البدل؛ وهذا قلب لحقائق النحو. وإنما المعنى في: أعجبني زيد وكرمه، أن ذات زيد أعجبته، وأعجبه كرمه؛ فهما إعجابان لا إعجاب واحد، وقد رددنا عليه مثل قوله هذا فيما تقدم. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وقتادة، والحرميان، وأبو عمرو، وعاصم في رواية: يؤمنون، بالياء من تحت؛ والأعمش، وباقي السبعة: بتاء الخطاب؛ وطلحة: توقنون بالتاء من فوق، والقاف من الإيقان.
* (ويل لكل أفاك أثيم) *، قيل: نزلت في أبي جهل؛ وقيل: في النضير بن الحارث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن. والآية عامة فيمن كان مضارا لدين الله؛ وأفاك أثيم، صفتا مبالغة؛ وألفاظ هذه الآية تقدم الكلام عليها. وقرأ الجمهور: علم؛ وقتادة ومطر الوراق: بضم العين وشد اللام؛ مبنيا للمفعول، أي عرف. وقال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى: ثم، في قوله: * (ثم يصر مستكبرا) *؟ قلت: كمعناه في قول القائل:
يرى غمرات الموت ثم يزورها وذلك بأن غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائبها بنفسه ويطلب الفرار منها، وأما زيارتها والإقدام على مزاولتها، فأمر مستبعد. فمعنى ثم: الإيذان بأن فعل المقدم عليها، بعدما رآها وعاينها، شيء يستبعد في العادة والطباع، وكذلك آيات الله الواضحة القاطعة بالحق، من تليت عليه وسمعها، كان مستبعدا في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها. * (اتخذها هزوا) *، ولم يقل: اتخذه، إشعارا بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم)، خاض في الاستهزاء بجميع الآيات، ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه. وقال الزمخشري: ويحتمل * (وإذا علم من ءاياتنا شيئا) *، يمكن أن يتشبث به المعاند ويجعله محملا يتسلق به على الطعن والغميزة، افترضه واتخذ آيات الله هزوا
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»