تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٣١
* يضرب بالسيوف رؤوس قوم * أزلناها مهن عن المقيل * وهذا على مذهب البصريين إذ أجازوا إعمال المصدر المنون. وإلى أن طولا مفعول ل يستطيع، وإن ينكح في موضع مفعول بقوله: طولا، إذ هو مصدر. ذهب أبو علي في التذكرة، وأجازوا أيضا أن يكون أن ينكح بدلا من طول، قالوا: بدل الشيء من الشيء، وهما لشيء واحد، لأن الطول هو القدرة والنكاح قدرة. وأجازوا أن يكون مفعول يستطع قوله: أن ينكح. وفي نصب قوله: طولا وجهان: أحدهما: أن يكون مفعولا من أجله على حذف مضاف، أي: ومن لم يستطع منكم لعدم طول نكاح المحصنات. والثاني: قاله: ابن عطية. قال: ويصح أن يكون طولا نصب على المصدر، والعامل فيه الاستطاعة، لأنها بمعنى يتقارب. وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة، أو بالمصدر انتهى كلامه. وكأنه يعني أن الطول هو استطاعة، فيكون التقدير: ومن لم يستطع منكم استطاعة أن ينكح.
وما من قوله: فمما ملكت، موصولة اسمية أي: فلينكح من النوع الذي ملكته أيمانكم. ومن فتياتكم: في موضع الحال من الضمير المحذوف في ما ملكت، العائد على ما. ومفعول الفعل المحذوف الذي هو فلينكح محذوف، التقدير: فلينكح أمة مما ملكت أيمانكم. ومن للتبعيض، نحو: أكلت من الرغيف. وقيل: من في من ما زائدة، ومفعول ذلك الفعل هو ما من قوله: ما ملكت أيمانكم. وقيل: مفعوله فتياتكم على زيادة من. وقيل: مفعوله المؤمنات، والتقدير: فلينكح مما ملكت أيمانكم من فتياتكم الفتيات المؤمنات. والأظهر أن المؤمنات صفة لفتياتكم. وقيل: ما مصدرية التقدير، من ملك إيمانكم. وعلى هذا يتعلق من فتياتكم بقوله: ملكت.
ومن أغرب ما سطروه في كتب التفسير ونقلوه عن قول الطبري: أن فاعل ذلك الفعل المحذوف هو قوله: * (بعضكم من بعض) * وفي الكلام تقديم وتأخير. والتقدير: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضهم من بعض الفتيات، وهذا قول ينزه حمل كتاب الله عليه، لأنه قول جمع الجهل بعلم النحو وعلم المعاني، وتفكيك نظم القرآن عن أسلوبه الفصيح، فلا ينبغي أن يسطر ولا يلتفت إليه. ومنكم: خطاب للناكحين، وفي: أيمانكم من فتياتكم خطاب للمالكين، وليس المعنى أن الرجل ينكح فتاة نفسه، وهذا التوسع في اللغة كثير.
* (والله أعلم بإيمانكم) * لما خاطب المؤمنين بالحكم الذي ذكره من تجويز نكاح عادم طول الحرة المؤمنة للأمة المؤمنة، نبه على أن الإيمان هو وصف باطن، وأن المطلع عليه هو الله. فالمعنى: أنه لا يشترط في إيمان الفتيات أن يكونوا عالمين بذلك العلم اليقين، لأن ذلك إنما هو لله تعالى، فيكفي من الإيمان منهن إظهاره. فمن كانت مظهرة للإيمان فنكاحها صحيح، وربما كانت خرساء، أو قريبة عهد بسباء وأظهرت الإيمان، فيكتفي بذلك منها.
والخطاب في بإيمانكم للمؤمنين ذكورهم وإناثهم، حرهم ورقهم، وانتظم الإيمان في هذا الخطاب، ولم يفردن بذلك فلم يأت والله أعلم بإيمانهن، لئلا يخرج غيرهن عن هذا الخطاب. والمقصود: عموم الخطاب، إذ كلهم محكوم عليه بذلك. وكم أمة تفوق حرة في الإيمان وفعل الخير، وامرأة تفوق رجلا في ذلك، وفي ذلك تأنيس لنكاح الإماء، وأن المؤمن لا يعتبر الأفضل الإيمان، لا فضل الأحساب والأنساب * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم * لا * فضل * صلى * أرءيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى) *.
* (بعضكم من بعض) * هذه جملة من مبتدأ وخبر، وقد تقدم قول الطبري في أن ارتفاع بعضكم على الفاعلية بالفعل المحذوف، ومعنى هذه الجملة الابتدائية: التأنيس أيضا بنكاح الإماء، وأن الأحرار والأرقاء كلهم متواصلون متناسبون يرجعون إلى أصل واحد، وقد اشتركوا في الإيمان، فليس بضائر نكاح الإماء. وفيه توطئة العرب، إذ كانت في الجاهلية تستهجن ولد الأمة، وكانوا يسمونه الهجين، فلما جاء الشرع أزال ذلك. وما أحسن ما روي عن علي من قوله:
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»