احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد، وأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم) احتجاجه. وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: لا تفعلوا ما تستحقون به القتل من القتل والردة والزنا بعد الإحصان. قال ابن عطية: وأجمع المتأولون أن القصد النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضا. وقال الزمخشري عن الحسن: إن المعنى لا تقتلوا إخوانكم انتهى. وعلى هذا المعنى أضاف القتل إلى أنفسهم لأنهم كنفس واحدة، أو من جنس واحد، أو من جوهر واحد. ولأنه إذا قتل قتل على سبيل القصاص، وكأنه هو الذي قتل نفسه. وما ذكره ابن عطية من إجماع المتأولين ذكر غيره فيه الخلاف. قال ما ملخصه: يحتمل أن يراد حقيقة القتل، فيحتمل أن يكون المعنى: لا يقتل بعضكم بعضا. ويحتمل أن يكون المعنى: لا يقتل أحد نفسه لضر نزل به، أو ظلم أصابه، أو جرح أخرجه عن حد الاستقامة. ويحتمل أن يراد مجاز القتل أي: يأكل المال بالباطل، أو بطلب المال والانهماك فيه، أو يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى الهلاك، أو يفعل هذه المعاص والاستمرار عليها. فيكون القتل عبر به عن الهلاك مجازا كما جاء: شاهد قتل ثلاثا نفسه، والمشهود له، والمشهود عليه أي: أهلك. وقرأ علي والحسن: ولا تقتلوا بالتشديد.
* (إن الله كان بكم رحيما) * حيث نهاكم عن إتلاف النفوس، وعن أكل الحرام، وبين لكم جهة الحل التي ينبغي أن يكون قوام الأنفس. وحياتها بما يكتسب منها، لأن طيب الكسب ينبني عليه صلاح العبادات وقبولها. ألا ترى إلى ما ورد من حج بمال حرام أنه إذا قال: لبيك قال الله له: لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك. وألا ترى إلى الداعي ربه ومطعمه حرام وملبسه حرام كيف جاء أنى يستجاب له؟ وكان النهي عن أكل المال بالباطل متقدما على النهي عن قتل أنفسهم، لأنه أكثر وقوعا، وأفشى في الناس من القتل، لا سيما إن كان المراد ظاهر الآية من أنه نهى أن يقتل الإنسان نفسه، فإن هذه الحالة نادرة. وقيل: رحيما حيث لم يكلفكم قتل أنفسكم حين التوبة كما كلف بني إسرائيل قتلهم أنفسهم، وجعل ذلك توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم.
* (ومن يفعل ذالك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) * الإشارة بذلك إلى ما وقع النهي عنه في هذه الجملة من أكل المال بالباطل، وقتل الأنفس. لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا، ثم ورد الوعيد حسب النهي. وذهب إلى هذا القول جماعة. وتقييد أكل المال بالباطل بالاعتداء والظلم على هذا القول ليس المعنى أن يقع على جهة لا يكون اعتداء وظلما، بل هو من الأوصاف التي لا يقع الفعل إلا عليه. وقيل: إنما قال: عدوانا وظلما ليخرج منه السهو والغلط، وما كان طريقه الاجتهاد في الأحكام. وأما تقييد قتل الأنفس على تفسير قتل بعضنا بعضا بقوله: عدوانا وظلما، فإنما ذلك لأن القتل يقع كذلك، ويقع خطأ واقتصاصا. وقيل الإشارة بذلك إلى أقرب مذكور وهو: قتل الأنفس، وهو قول عطاء، واختيار الزمخشري. قال: ذلك إشارة إلى القتل أي: ومن يقدم على قتل الأنفس عدوانا وظلما لا خطأ ولا اقتصاصا انتهى. ويكون نظير قوله: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * وذهب الطبري: إلى أن ذلك إشارة إلى ما سبق من النهي الذي لم يقترن به وعيد وهو من قوله: * (أليما يأيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن) * إلى هذا النهي الذي هو ولا تقتلوا أنفسكم، فأما ما قبل ذلك من النهي فقد اقترن به الوعيد. وما ذهب إليه الطبري بعيد جدا لأن كل جملة قد استقلت بنفسها، ولا يظهر لها تعلق بما بعدها إلا تعلق المناسبة، ولا تعلق اضطرار المعنى. وأبعد من قول الطبري ما ذهب إليه جماعة من أن ذلك إشارة إلى كل ما نهى عنه من القضايا، من أول السورة إلى النهي الذي أعقبه قوله: ومن يفعل ذلك. وجوز الماتريدي أن يكون ذلك إشارة إلى أكل المال بالباطل، قال: وذلك يرجع إلى ما سبق من أكل المال بالباطل، أو قتل النفس بغير حق، أو إليهما جميعا انتهى. فعلى هذا القول يكون في المشار إليه بذلك خمسة أقوال.
وانتصاب عدوانا وظلما على المفعول من