متعلق الإرادة هو التبيين، واللام هي الناصبة بنفسها لا أن مضمرة بعدها. وقال بعض البصريين: إذا جا مثل هذا قدر الفعل الذي قبل اللام بالمصدر فالتقدير: إرادة الله لما يريد ليبين، وكذلك أريد لا ينسى ذكرها، أي: إرادتي لا ينسى ذكرها. وكذلك قوله تعالى: * (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) * أي: أمرنا بما أمرنا لنسلم انتهى. وهذا القول نسبه ابن عيسى لسيبويه والبصريين، وهذا يبحث في علم النحو.
وقال الزمخشري: أصله يريد الله أن يبين لكم، فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبيين، كما زيدت في لا أبا لك لتأكيد إضافة الأب، والمعنى: يريد الله أن يبين لكم ما خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم انتهى كلامه وهو خارج عن أقوال البصريين والكوفيين. وأما كونه خارجا عن أقوال البصريين فلأنه جعل اللام مؤكدة مقوية لتعدي يريد، والمفعول متأخر، وأضمر أن بعد هذه اللام. وأما كونه خارجا عن قول الكوفيين فإنهم يجعلون النصب باللام، لا بأن، وهو جعل النصب بأن مضمرة بعد اللام. وذهب بعض النحويين إلى أن اللام في قوله: ليبين لكم، لام العاقبة، قال: كما في قوله: ليكون لهم عدوا وحزنا) ولم يذكر مفعول يبين.
قال عطاء: يبين لكم ما يقربكم. وقال الكلبي: يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير. وقيل: ما فصل من المحرمات والمحللات. وقيل: شرائع دينكم، ومصالح أموركم. وقيل: طريق من قبلكم إلى الجنة. ويجوز عندي أن يكون من باب الإعمال، فيكون مفعول ليبين ضميرا محذوفا يفسره مفعول ويهديكم، نحو: ضربت وأهنت زيدا، التقدير: ليبينها لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم، أي ليبين لكم سنن الذين من قبلكم.
والسنن: جمع سنة، وهي الطريقة. واختلفوا في قوله: سنن الذين من قبلكم، هل ذلك على ظاهره من الهداية لسننهم؟ أو على التشبيه؟ أي: سننا مثل سنن الذين الذين من قبلكم. فمن قال بالأول أراد أن السنن هي ما حرم علينا وعليهم بالنسب والرضاع والمصاهرة. وقيل: المراد بالسنن ما عنى في قوله تعالى: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * وقيل: المراد بها ما ذكره في قوله تعالى: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * وقيل: طرق من قبلكم إلى الجنة. وقيل: مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين، والطرق التي سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم، وهذا قريب مما قبله. وعلى هذا الأقوال فيكون الذين من قبلكم المراد به الأنبياء وأهل الخير. وقيل: المراد بقوله سنن طرق أهل الخير والرشد والغي، ومن كان قبلكم من أهل الحق والباطل، لتجتنبوا الباطل، وتتبعوا الحق.
والذين قالوا: إن ذلك على التشبيه قالوا: إن المعنى أن طرق الأمم السابقة في هدايتها كان بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الأحكام، وكذلك جعل طريقكم أنتم. فأراد أن يرشدكم إلى شرائع دينكم وأحكام ملتكم بالبيان والتفصيل، كما أرشد الذين من قبلكم من المؤمنين. وقيل: الهداية في أحد أمرين: أما أنا خوطبنا في كل قصة نهيا أو أمرا كما خوطبوا هم أيضا في قصصهم، وشرع لنا كما شرع لهم، فهدايتنا سننهم في الإرشاد، وإن اختلفت أحكامنا وأحكامهم. والأمر الثاني: أن هدايتنا سننهم في أن سمعنا وأطعنا كما سمعوا وأطاعوا، فوقع التماثل من هذه الجهة.
والمراد بالهداية هنا الإرشاد والتوضيح، ولا يتوجه غير ذلك بقرينة السنن، والذين من قبلناهم المؤمنون من كل شريعة. وقال صاحب ري الظمآن وهو أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي: قوله تعالى: يريد الله ليبين لكم، أي: يريد أن يبين، أو يريد إنزال الآيات ليبين لكم. وقوله تعالى: ويهديكم، قال المفسرون: معناهما واحد، والتكرار لأجل التأكيد، وهذا ضعيف. والحق أن المراد من الأول تبيين التكاليف، ثم قال: ويهديكم. وفيه قولان: أحدهما: أن هذا دليل على أن كل ما بين تحريمه لنا وتحليله من النساء في الآيات المتقدمة، فقد كان الحكم