تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٢٥
أن تبتغوا، هو ضمير المخاطبين، فقد اختلفا. ولما أحس الزمخشري أن كان أحس بهذا، جعل أن تبتغوا على حذف إرادة حتى يتحد الفاعل في قوله: وأحل، وفي المفعول له، ولم يجعل أن تبتغوا مفعولا له إلا على حذف مضاف وإقامته مقامه، وهذا كله خروج عن الظاهر لغير داع إلى ذلك. ومفعول تبتغوا مفعولا له إلا على حذف مضاف وإقامته مقامه، وهذا كله خروج عن الظاهر لغير داع إلى ذلك. ومفعول تبتغوا محذوف اختصارا، إذ هو ضمير يعود على ما من قوله: ما وراء ذلكم، وتقديره: أن تبتغوه.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): أين مفعول تبتغوا؟ (قلت): يجوز أن يكون مقدرا وهو. النساء، وأجود أن لا يقدر. وكأنه قيل: أن تخرجوا أموالكم انتهى كلامه. فأما تقديره: إذا كان مقدرا بالنساء فإنه لما جعله مفعولا له غاير بين متعلق المفعول له وبين متعلق المعلول. وأما قوله: وأجود أن لا يقدر، وكأنه قيل: أن تخرجوا أموالكم، فهو مخالف للظاهر، لأن مدلول تبتغوا ليس مدلول تخرجوا، ولأن تعدى تبتغوا إلى الأموال بالباء ليس على طريق المفعول به الصريح، كما هو في تخرجوا، وهذا كله تكلف ينبغي أن ينزه كتاب الله عنه.
وظاهر قوله: بأموالكم، أنه يطلق على ما يسمى مالا وإن قل وهو قول: أبي سعيد، والحسن، وابن المسيب، وعطاء، والليث، وابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، والشافعي، وربيعة قالوا: يجوز النكاح على قليل المال وكثيره. وقيل: لا مهر أقل من عشرة دراهم، وروي عن علي، والشعبي، والنخعي، في آخرين من التابعين. وهو قول: أبي حنيفة، وأبي يوسف، وزفر، والحسن، ومحمد بن زياد. وقال مالك: أقل المهر ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال أبو بكر الرازي: من كان له درهم أو درهمان لا يقال عنده مال، وظاهر قوله: بأموالكم يدل على أنه لا يجوز أن يكون المهر منفعة، لا تعليم قرآن ولا غيره، وقد أجاز أن يكون المهر خدمتها مدة معلومة جماعة من العلماء، ولهم في ذلك تفصيل. وأجاز أن يكون تعليم سورة من القرآن الشافعي، ومنع من ذلك: مالك والليث، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وحججهم في كتب الفقه وفي كتب أحكام القرآن.
والاحصان: الفقه، وتحصين النفس عن الوقوع في الحرام. وانتصب محصنين على الحال، وغير مسافحين حال مؤكدة، لأن الإحصان لا يجامع السفاح وكذلك قوله: * (ولا متخذى أخدان) * والمسافحون هم الزانون المبتذلون، وكذلك المسافحات هن الزواني المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا. ومتخذوا الأخدان هم الزناة المتسترون الذين يصحبون واحدة واحدة، وكذلك متخذات الأخدان هن الزواني المتسترات اللواتي يصحبن واحدا واحدا، ويزنين خفية. وهذان نوعان كانا في زمن الجاهلية قاله: ابن عباس، والشعبي، والضحاك، وغيرهم. وأصل المسافح من السفح، وهو الصب للمني. وكان الفاجر يقول للفاجرة: سافحيني وماذيني من المذي.
* (فما استمتعتم به منهن فئاتوهن أجورهن فريضة) * قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وابن زيد، وغيرهم: المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء، ولو مرة، فقد وجب إعطاء الأجر وهو المهر، ولفظة ما تدل على أن يسيرالوطء يوجب إيتاء الأجرة. وقال الزمخشر: فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة، أو عقد عليهن، فآتوهن أجورهن عليه انتهى. وأدرج في الاستمتاع الخلوة الصحيحة على مذهب أبي حنيفة، إذ هو مذهبه. وقد فسر ابن عباس وغيره الاستمتاع هنا بالوطء، لأن إيتاء الأجر كاملا لا يترتب إلا عليه، وذلك على مذهبه ومذهب من يرى ذلك.
وقال ابن عباس أيضا ومجاهد، والسدي، وغيرهم: الآية في نكاح المتعة. وقرأ أبي، وابن عباس، وابن جبير: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن. وقال ابن عباس لأبي نضرة: هكذا أنزلها الله. وروي عن علي أنه قال: لولا أن عمر نهى عن
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 228 229 230 231 ... » »»