تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٩
* (وعماتكم وخالاتكم) * العمة: أخت الأب، والخالة: أخت الأم. وخص تحريم العمات والخالات دون أولادهن. وتحرم عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها، وعمة العمة. وأم خالة العمة فإن كانت العمة أخت أب لأم، أو لأب وأم، فلا تحل خالة العمة لأنها أخت الجدة. وإن كانت العمة إنما هي أخت أب لأب فقط، فخالتها أجنبية من بني أخيها تحل للرجال، ويجمع بينها وبين النساء. وأما عمة الخالة فإن كانت الخالة أخت أم لأب فلا تحل عمة الخالة، لأنها أخت جد. وإن كانت الخالة أخت أم لأم فقط فعمتها أجنبية من بني أختها.
* (وبنات الاخ وبنات الاخت) * تحرم بناتهما وإن سفلن. وأفرد الأخ والأخت ولم يأت جمعا، لأنه أضيف إليه الجمع، فكان لفظ الإفراد أخف، وأريد به الجنس المنتظم في الدلالة الواحدة وغيره. فهؤلاء سبع من النسب تحريمهن مؤبد. وأما اللواتي صرن محرمات بسبب طارىء فذكرهن في القرآن سبعا وهن في قوله تعالى:
* (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * وسمى المرضعات أمهات لأجل الحرمة، كما سمى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أمهات المؤمنين. ولما سمى المرضعة أما والمرضعة مع الراضع أختا، نبه بذلك على إجراء الرضاع مجرى النسب. وذلك لأنه حرم بسبب النسب سبع: اثنتان هما المنتسبتان بطريق الولادة وهما: الأم والبنت. وخمس بطريق الأخوة وهن: الأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت. ولما ذكر الرضاع ذكر من كل قسم من هذين القسمين صورة تنبيها على الباقي، فذكر من قسم قرابة الأولاد الأمهات، ومن قسم قرابة الأخوة والأخوات، ونبه بهذين المثالين على أن الحال في باب الرضاع كالحال في باب النسب. ثم إنه صلى الله عليه وسلم) أكد هذا بصريح قوله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فصار صريح الحديث مطابقا لما أشارت إليه الآية. فزوج المرضعة أبوه، وأبواه جداه، وأخته عمته. وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهو أخوته وأخواته لأبيه، وأم المرضعة جدته، وأختها خالته. وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم أخوته وأخوانه لأبيه وأمه. وأما ولدها من غيره فهم أخوته وأخواته لأمه.
وقالوا: تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين: إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب، ويجوز له أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع. لأن المعنى في النسب وطؤه أمها، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع. والثانية: لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب، ويجوز في الرضاع. لأن المانع في النسب وطء الأب إياها، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع، وظاهر الكلام إطلاق الرضاع. ولم تتعرض الآية إلى سن الراضع، ولا عدد الرضعات. ولا للبن الفحل، ولا لإرضاع الرجل لبن نقسه للصبي، أو إيجاره به، أو تسعيطه بحيث يصل إلى الجوف. وفي هذا كله خلاف مذكور في كتب الفقه. وقرأ الجمهور: اللاتي أرضعنكم. وقرأ عبد الله: اللاي بالياء. وقرأ ابن هرمز: التي. وقرأ أبو حيوة: من الرضاعة بكسر الراء.
* (وأمهات نسائكم) * الجمهور على أنها على العموم. فسواء عقد عليها ولم يدخل، أم دخل بها. وروي عن علي ومجاهد وغيرهما: أنه إذا طلقها قبل الدخول، فله أن يتزوج أمها. وأنها في ذلك بمنزلة الربيبة.
* (وربائبكم اللاتى فى حجوركم) * ظاهره أنه يشترط في تحريمها أن تكون في حجره، وإلى هذا ذهب علي، وبه أخذ داود وأهل الظاهر. فلو لم تكن في حجره وفارق أمها بعد الدخول جاز له أن يتزوجها. قالوا: حرم الله الربيبة بشرطين: أحدهما: أن تكون في حجر الزوج. الثاني: الدخول بالأم. فإذا فقد أحد الشرطين لم يوجد التحريم. واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم): (لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة) فشرط الحجر. وقال الطحاوي وغيره: إضافتهن إلى الحجور حملا على
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»