تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٢٩
بعد الفريضة زيادة في الأجل، وزيادة في المهر قبل استبراء الرحم. وقال ابن عباس: في رد ما أعطيتموهن إليكم. وقال ابن المعتمر: فيما تراضيتم به من النقصان في الصداق إذا أعسرتم. وقيل: معناه إبراء المرأة عن المهر، أو توفيته، جو توفية الرجل كل المهر إن طلق قبل الدخول. وقيل: فيما تراضيتم به من بعد فرقة، أو إقامة بعد أداء الفريضة، وروي عن ابن عباس وقد استدل على الزيادة في المهر بقوله: * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) *، قيل: لأن ما عموم في الزيادة والنقصان والتأخير والحظ والإبراء، وعموم اللفظ يقتضي جواز الجميع، وهو بالزيادة أخص منه بغيرها مما ذكرناه، لأن المرأة والحظ والتأجيل لا يحتاج في وقوعه إلى رضا الرجل، والاقتصار على ما ذكر دون الزيادة يسقط فائدة ذكر تراضيهما. وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد: إلى أن الزيادة في الصداق بعد النكاح جائزة، وهي ثابتة إن دخل بها أو مات عنها. وإن طلقها قبل الدخول بطلت الزيادة. وقال مالك: تصح الزيادة، فإن طلقها قبل الدخول رجع ما زادها إليه، وإن مات عنها قبل أن يقبض فلا شيء لها. وقال الشافعي وزفر: الزيادة بمنزلة هبة مستقبلة إن أقبضها جازت، وإلا بطلت.
* (إن الله كان عليما) * بما يصلح أمر عباده.
* (حكيما) * في تقديره وتدبيره وتشريعه.
* (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * الطول: السعة في المال قاله: ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، والسدي، وابن زيد، ومالك في المدونة. وقال ابن مسعود، وجابر، وعطاء، والشعبي، والنخعي، وربيعة: الطول هنا الجلد والصبر لمن أحب أمة وهو بها حتى صار لا يستطيع أن يتزوج غيرها فله أن يتزوجها، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة. والمحصنات هنا الحرائر، يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء. وقالت فرقة: معناه العفائف، وهو ضعيف.
واختلفوا في جواز نكاح الأمة لواجد طول الحرة. وظاهر الآية يدل على أن من لم يستطع ما يتزوج به الحرة المؤمنة وخاف العنت، فيجوز له أن يتزوج الأمة المؤمنة، ويكون هذا تخصيصا العموم قوله: * (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) * فيكون تخصيصا في الناكح بشرط أن لا يجد طول الحرة ويخاف العنت، وتخصيصا في إمائكم بقوله: من فتيانكم المؤمنات، وتخصيص جواز نكاح الإماء بالمؤمنات لغير واجد طول الحرة، هو مذهب أهل الحجاز. فلا يجوز له نكاح الأمة الكتابية، وبه قال: الأوزاعي، والليث، ومالك، والشافعي. وذهب العراقيون أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والحسن بن زياد والثوري ومن التابعين الحسن ومجاهد إلى جواز ذلك. ونكاح الأمة المؤمنة أفضل، فحملوه على الفضل لا على الوجوب. واستدلوا على أن الإيمان ليس بشرط بكونه وصف به الحرائر في قوله: أن ينكح المحصنات المؤمنات، وليس بشرط فيهن اتفاقا، لكنه أفضل.
وقال ابن عباس: وسع الله على هذه الأمة بنكاح الأمة، واليهودية، والنصرانية. وقد اختلف السلف في ذلك اختلافا كثيرا: روي عن ابن عباس، وجابر، وابن جبير، والشعبي، ومكحول: لا يتزوج الأمة إلا من لا يجد طولا للحرة، وهذا هو ظاهر القرآن. وروي عن مسروق، والشعبي: أن نكاحها
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»