تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٣٠
بمنزلة الميتة والدم ولحم الخنزير، يعني: أنه يباح عند الضرورة. وروي عن علي، وأبي جعفر، ومجاهد، وابن المسيب، وإبراهيم، والحسن، والزهري: أن له نكاحها، وإن كان موسرا. وروي عن عطاء، وجابر بن زيد: أنه يتزوجها إن خشي أن يزني بها، ولو كان تحته حرة. فال عطاء: يتزوج الأمة على الحرة. وقال ابن مسعود: لا يتزوجها عليها إلا المملوك. وقال عمر، وعلي، وابن المسيب، ومكحول في آخرين: لا يتزوجها عليها. وهذا الذي يقتضيه النظر، لأن القرآن دل على أنه لا ينكح الأمة إلا من لا يجد طولا للحرة. فإذا كانت تحته حرة، فبالأولى أن لا يجوز له نكاح الأمة، لأن وجدان الطول للحرة إنما هو سبب لتحصيلها، فإذا كانت حاصلة كان أولى بالمنع. وقال إبراهيم: يتزوج الأمة على الحرة إن كان له من الأمة ولد. وقال ابن المسيب: لا ينكحها عليها إلا أن تشاء الحرة، ويقسم للحرة يومين، وللأمة يوما وظاهر قوله: فمما ملكت أيمانكم، جواز نكاح عادم طول الحرة المؤمنة أربعا من الإماء إن شاء. وروي عن ابن عباس: أنه لا يتزوج من الإماء أكثر من واحدة، وإذا لم يكن شرطا في الأمة الإيمان فظاهر قوله: فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم، أنه لو كانت الكتابية مولاها كافر لم يجز نكاحها، لأنه خاطب بقوله: فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم المؤمنات، فاختص بفتيات المؤمنين، وروي عن أبي يوسف: جواز ذلك على كراهة. وإذا لم يكن الإيمان شرطا في نكاح الأمة، فالظاهر جواز نكاح الأمة الكافرة مطلقا، سواء كانت كتابية، أو مجوسية، أو وثنية، أم غير ذلك من أنواع الكفار.
وأجمعوا على تحريم نكاح الأمة الكافرة غير الكتابية: كالمجوسية، والوثنية، وغيرهما. وأما وطء المجوسية بملك اليمين فأجازه: طاوس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن دينار. ودلت على هذا القول ظواهر القرآن في عموم: ما ملكت أيمانكم، وعموم * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * قالوا: وهذا قول شاذ مهجور، لم يلتفت إليه أحد من فقهاء الأمصار. وقالوا: لا يحل له أن يطأها حتى تسلم. وقالوا: إنما كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة لما فيه من اتباع الولد لأمه في الرق، ولثبوت حق سيدها فيها، وفي استخدامها، ولتبذلها بالولوج والخروج، وفي ذلك نقصان نكاحها ومهانته إذ رضي بهذا كله، والعزة من صفات المؤمنين.
ومن مبتدأ، وظاهره أنه شرط. والفاء في: فمما ملكت فاء الجواب، ومن تتعلق بمحذوف تقديره: فلينكح من ما ملكت. ويجوز أن يكون من موصولة، ويكون العامل المحذوف الذي يتعلق به قوله: مما ملكت جملة في موضع الخبر. ومسوغات دخول الفاء في خبر المبتدأ موجودة هنا. والظاهر أن مفعول يستطع هو طولا، وأن ينكح على هذا أجازوا، فيه أن يكون أصله بحرف جر، فمنهم من قدره بإلى، ومنهم من قدره باللام أي: طولا إلى أن ينكح، أو لأن ينكح، ثم حذف حرف الجر، فإذا قدر إلى، كان المعنى: ومن لم يستطع منكم وصلة إلى أن ينكح. وإذا قدر باللام، كان في موضع الصفة القدير: طولا أي: مهرا كائنا لنكاح المحصنات. وقيل: اللام المقدرة لام المفعول له أي: طولا لأجل نكاح المحصنات، وأجازوا أن يكون: أن ينكح في موضع نصب على المفعول به، وناصبة طول. إذ جعلوه مصدر طلت الشيء أي نلته، قالوا: ومنه قول الفرزدق:
* إن الفرزدق صخرة عادية * طالت فليس تنالها الأوعالا * أي وطالت إلا وعال أي: ويكون التقدير ومن لم يستطع منكم أن ينال نكاح المحصنات. ويكون قد أعمل المصدر المنون في المفعول به كقوله:
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»