تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٣
وقرأ ابن عباس: ميثاق النبيين لتبيننه للناس، فيعود الضمير في فنبذوه على الناس إذ يستحيل عوده على النبيين، أي: فنبذه الناس المبين لهم الميثاق، وتقدم تفسير معنى: * (فنبذوه وراء ظهورهم) * في قوله: * (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم) *.
* (واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) * وتقدم تفسير مثل هذه الجملة والكلام في إعراب ما بعد بئس فأغنى عن الإعادة.
* (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب) * نزلت في المنافقين كانوا يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الغزو، فإذا جاء استعذروا له، فيظهر القبول ويستغفر لهم، ففضحهم الله بهذه الآية قاله: أبو سعيد الخدري وابن زيد وجماعة. وقال كثير من المفسرين: نزلت في أحبار اليهود. وأتى تكون بمعنى فعل، كقوله تعالى: * (إنه كان وعده مأتيا) * أي مفعولا. فمعنى بما أتوا بما فعلوا، ويدل عليه قراءة أبى بما فعلوا. وفي الذي فعلوه وفرحوا به أقوال: أحدها كتم ما سألهم عنه الرسول، وإخبارهم بغيره، وأروه أنهم قد أخبروه به واستحمدوا بذلك إليه قاله: ابن عباس. الثاني ما أصابوا من الدنيا وأحبوا أن يقال: إنهم علماء قاله: ابن عباس أيضا. الثالث قولهم: نحن على دين إبراهيم، وكتمهم أمر الرسول قاله: ابن جبير. الرابع كتبهم إلى اليهود يهود الأرض كلها أن محمدا ليس بنبي، فأثبتوا على دينكم، فاجتمعت كلمتهم على الكفر به. وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة وأولياء الله قاله: الضحاك والسدي. الخامس قول يهود خيبر للنبي صلى الله عليه وسلم) وأصحابه: نحن على دينكم، ونحن لكم ردء، وهم مستمسكون بضلالهم، وأرادوا أن يحمدهم بما لم يفعلوا قاله: قتادة. السادس تجهيز اليهود جيشا إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وإنفاقهم على ذلك الجيش قاله: النخعي. السابع إخبار جماعة من اليهود للمسلمين حين خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم) قد أخبرهم بأشياء عرفوها، فحمدهم المسلمون على ذلك، وأبطنوا خلاف ما أظهر، وأذكره الزجاج. الثامن اتباع الناس لهم في تبديل تأويل التوراة، وأحبوا حمدهم إياهم على ذلك، ولم يفعلوا شيئا نافعا ولا صحيحا قاله: مجاهد. التاسع تخلف المنافقين عن الغزو وحلفهم للمسلمين أنهم يسرون بنصرهم، وكانوا يحبون أن يقال أنهم في حكم المجاهدين قاله: أبو سعيد الخدري.
والأقوال السابقة غير هذا الأخير مبنية على أن الآية نزلت في اليهود. قيل: ويجوز أن يكون شاملا لكل من يأتي بحسنة فرح بها فرح إعجاب، ويحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بالديانة والزهد، وبما ليس فيه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا يحسبن ولا يحسبنهم بالياء فيهما، ورفع باء يحسبنهم على إسناد يحسبن للذين، وخرجت هذه القراءة على وجهين: أحدهما ما قاله أبو علي: وهو أن لا يحسبن لم يقع على شيء، والذين رفع به. وقد تجيء هذه الأفعال لغوا لا في حكم الجمل المفيدة نحو قوله:
* وما خلت أبقي بيننا من مودة * عراض المداكي المسنفات القلائصا * وقال الخليل: العرب تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد. قال ابن عطية: فتتجه
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»