تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٧
خلق يكون بمعنى جعل فيتعدى لاثنين، فلا أعلم أحدا ممن له معرفة ذهب إلى ذلك. والباطل: الزائل الذاهب ومنه:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل والأحسن من أعاريبه انتصابه على الحال من هذا، وهي حال لا يستغنى عنها نحو قوله: * (وما خلقنا * السماوات والارض * وما بينهما لاعبين) * لا يجوز في هذه الحال أن تحذف لئلا يكون المعنى على النفي، وهو لا يجوز.
ولما تضمنت هذه الجملة الإقرار بأن هذا الخلق البديع لم يكن باطلا، والتنبيه على أن هذا كلام أولي الألباب الذاكرين الله على جميع أحوالهم والمتفكرين في الخلق، دل على أن غيرهم من أهل الغفلة والجهالة يذهبون إلى خلاف هذه المقالة، فنزهوه تعالى عن ما يقول أولئك المبطلون من ما أشار إليه تعالى في قوله: لاعبين، وفي قوله: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * واعترض بهذا التنزيه المتضمن براءة الله من جميع النقائص وأفعال المحدثين. بين ذلك الإقرار وبين رغبتهم إلى ربهم بأن يقيهم عذاب النار، ولم يكن لهم هم في شيء من أحوال الدنيا، ولا اكتراث بها، إنما تضرعوا في سؤال وقايتهم العذاب يوم القيامة. وهذا السؤال هو نتيجة الذكر والفكر والإقرار والتنزيه. والفاء في: فقنا للعطف، وترتيب السؤال على الإقرار المذكور. وقيل: لترتيب السؤال على ما تضمنه سبحان من الفعل، أي: نزهناك عما يقول الجاهلون فقنا. وأبعد من ذهب إلى أنه للترتيب على ما تضمن النداء.
* (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * هذه استجارة واستعادة. أي: فلا تفعل بنا ذلك، ولا تجعلنا ممن يعمل بعملها. ومعنى أخزيته: ففضحته. من خزى الرجل يخزى خزيا، إذا افتضح. وخزاية إذا استحيا الفعل واحد واختلف في المصدر فمن الافتضاح خزي، ومن الاستحياء خزاية. ومن ذلك * (ولا تخزون فى ضيفى) * أي لا تفضحون. وقيل: المعنى أهنته. وقال المفضل: أهلكته. ويقال: خزيته وأخزيته ثلاثيا ورباعيا، والرباعي أكثر وأفصح. وقال الزجاج: المخزى في اللغة هو المذل المحقور بأمر قد لزمه، يقال: أخزيته ألزمته حجة أذللته معها. وقال أنس وسعيد، وقتادة، ومقاتل، وابن جريج، وغيرهم: هي إشارة إلى من يخلد في النار، أما من يخرج منها بالشفاعة والإيمان فليس بمخزي. وقال جابر بن عبد الله وغيره: كل من دخل النار فهو مخزى وإن خرج منها، وإن في دون ذلك لخزيا، واختاره ابن جريج وأبو سليمان الدمشقي.
* (وما للظالمين من أنصار) * هو من قول الداعين. وقال ابن عباس: الظالمون هنا هم الكافرون، وهو قول جمهور المفسرين. وقد صرح به في قوله: * (والكافرون هم الظالمون) * وقوله: * (إن الشرك لظلم عظيم) * ويناسب هذا التفسير أن يكون ما قبله فيمن يخلد في النار، لأن نفي الناصر إما بمنع أو شفاعة مختص بالكفار، وأما المؤمن فالله ناصره والرسول صلى الله عليه وسلم) شافعه، وبعض المؤمنين يشفع لبعض كما ورد في الحديث. وقال الزمخشري: وما للظالمين اللام إشارة إلى من يدخل النار، وإعلام بأن من يدخل النار، فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها انتهى. وهو على طريقة الاعتزال أن من يدخل النار لا يخرج منها أبدا، سواء كان كافرا أم فاسقا، ومن مفعوله لفعل الشرط. وحكى بعض المعربين ما نصه، وأجاز قوم أن يكون من منصوبا بفعل دل عليه جواب الشرط وهو: فقد أخزيته. وأجاز آخرون أن يكون من مبتدأ، والشرط وجوابه الخير انتهى. أما القول الأول فصادر عن جاهل بعلم النحو، وأما الثاني فإعراب من مبتدأ في غاية الضعف. وأما إدخاله جواب الشرط في الخبر مع فعل الشرط فجهالة. ومن أعظم وزرا ممن تكلم في كتاب الله بغير علم.
* (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن ءامنوا بربكم فئامنا) * سمع إن دخل على
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»