تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٢٢
الجملة اعتراض، وهي قراءة الكسائي انتهى. وليست الجملة هنا اعتراضا لأنها لم تدخل بين شيئين أحدهما يتعلق بالآخر، وإنما جاءت لاستئناف أخبار. وقرأ باقي السبعة والجمهور: بفتح الهمزة عطفا على متعلق الاستبشار، فهو داخل فيه. قال أبو علي: يستبشرون بتوفير ذلك عليهم، ووصوله إليهم، لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم ولم يبخسوه. ولا يصح الاستبشار بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين، لأن الاستبشار إنما يكون بما لم يتقدم به علم، وقد علموا قبل موتهم إن الله لا يضيع أجر المؤمنين، فهم يستبشرون بأن الله ما أضاع أجورهم حتى اختصهم بالشهادة ومنحهم أتم النعمة، وختم لهم بالنجاة والفوز، وقد كانوا يخشون على إيمانهم، ويخافون سوء الخاتمة المحبطة للأعمال، فلما رأوا ما للمؤمنين عند الله من السعادة وما اختصهم به من حسن الخاتمة التي تصح معها الأجور وتضاعف الأعمال، استبشروا، لأنهم كانوا على وجل من ذلك انتهى كلامه. وفيه تطويل شبيه بالخطابة. قيل: ويجوز أن يكون الاستبشار لمن خلفوه بعدهم من المؤمنين لما عاينوا منزلته عند الله.
* (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) * قيل: الاستجابة كانت أثر الانصراف من أحغد. استنفر الرسول لطلب الكفار، فاستجاب له تسعون. وذلك لما ذكر للرسول أن أبا سفيان في جمع كثير، فأبى الرسول إلا أن يطلبهم، فسبقه أبو سفيان ودخل مكة فنزلت، قاله: عمرو بن دينار. وفي ذكر هذا السبب اختلاف في مواضع. وقيل: الاستجابة كانت من العام القابل بعد قصة أحد، حيث تواعد أبو سفيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم) موسم بدر، فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان فارعب، وبدا له الرجوع وقال لنعيم بن مسعود: واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى، وهو عام جدب لا يصلح لنا، فثبطتهم عنا واعلمهم أنا في جمع كثير ففعل، وخوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأصحابه وأقاموا ببدر ينتظرون أبا سفيان فنزلت. قال معناه: مجاهد وعكرمة. وقيل: لما كان الثاني من أحد وهو يوم الأحد، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الناس باتباع المشركين، وقال: * (لا * يخرجن * معنا * إلا من * نفسا بالامس) * وكانت بالناس جراحة وفرح عظيم، ولكن تجلدوا، ونهض معه مائتا رجل من المؤمنين حتى بلغ حمراء الأسد وهي: على ثمانية أميال من المدينة وأقام بها ثلاثة أيام، وجرت قصة معبد بن أبي معبد، وقد ذكرت ومرت قريش، فانصرف الرسول إلى المدينة فنزلت. وروى أنه خرج أخوان وبهما جراحة شديدة، وضعف أحدهما فكان أخوه يحمله عقبة ويمشي هو عقبة، ولما لم تتم استجابة العبد لله إلا باستجابته للرسول جمع بينهما، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. قيل: والاستجابتان مختلفتان، فإنهما بالنسبة إلى الله بالتوحيد والعبادة، وللرسول بتلقي الرسالة منه والنصيحة له. والظاهر أنها استجابة واحدة، وهو إجابتهم له حين انتدبهم لاتباع الكفار على ما نقل في سبب النزول. والإحسان هنا ما هو زائد على الإيمان من الاتصاف بما يستحب مع الاتصاف بما يجب.
والظاهر إعراب الذين مبتدأ، والجملة بعده الخبر. وجوزوا الاتباع نعتا، أو بدلا، والقطع إلى الرفع والنصب. ومن في منهم قال الزمخشري: للتبيين مثلها في قوله تعالى: * (وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) * لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا، إلا بعضهم. وعن عروة بن الزبير قالت لي عائشة: أن أبويك لممن استجابوا لله والرسول تعني: أبا بكر والزبير انتهى. وقال أبو البقاء: منهم حال من الضمير في أحسنوا، فعلى هذا تكون من للتبعيض وهو قول من لا يرى أن من تكون لبيان الجنس.
* (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * قيل: أريد
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»