تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٢٧
إسقاط حرف الجر أي شيء * (يريد الله أن * لا * يجعل لهم حظا فى الاخرة ولهم عذاب عظيم) * بين تعالى أن ما هم عليه من المسارعة في الكفر هو بإرادة الله تعالى، أنهم لا يهديهم إلى الإيمان، فيكون لهم نصيب من نعيم الآخرة. فهذه تسلية منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم) في ترك الحرب، لأن مراد الله منهم هو ما هم عليه، ولهم بدل النعيم عذاب عظيم. قال الزمخشري: (فإن قلت): هل قيل: لا يجعل الله لهم حظا في الآخرة، وأي فائدة في ذكر الإرادة؟ (قلت): فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصا لم يبق معه صارف قط، حين يسارعون في الكفر تنبيها على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه، حتى أن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم انتهى. وفيه دسيسة اعتزال لأنه استشعر أن إرادته تعالى أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة موجبة، أن سبب ذلك هو مريد له تعالى وهو: الكفر. ومن مذهبه أنه تعالى لا يريد الكفر ولا يشاؤه، فتأول تعلق إرادته بانتفاء حظهم من الآخرة بتعلقها بانتفاء رحمته لهم لفرط كفرهم.
ونقل الماوردي في يريد ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يحكم بذلك. والثاني: يريد في الآخرة أن يحرمهم ثوابهم لإحباط أعمالهم بكفرهم. والثالث: يريد يحبط أعمالهم بما استحقوه من ذنوبهم قاله: ابن إسحاق. * (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم) * هذا عام في الكفار كلهم. وقوله: * (ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر) * كان عاما، فكرر هذا على سبيل التوكيد وإن كان خاصا بالمنافقين أو المرتدين أو كفار قريش، فيكون ليس تكريرا على سبيل التأكيد، بل حكم على العام بأنهم لن يضروا الله شيئا. ويندرج فيه ذلك الخاص أيضا، فيكون الحكم في حقهم على سبيل التأكيد، ويكون قد جمع للخاص العذاب بنوعية من العظم والألم، وهو أبلغ في حقهم في العذاب. وجعل ذلك اشتراء. من حيث تمكنهم من قبول الخير والشر، فآثروا الكفر على الإيمان. * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لانفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما) * معنى نملي: نمهل ونمد في العمر. والملاءة المدة من الدهر، والملوان الليل والنهار. ويقال: ملاك الله نعمته، أي منحكها عمرا طويلا، وقرأ حمزة تحسين بتاء الخطاب، فيكون الذين كفروا مفعولا أول. ولا يجوز أن يكون: إنما نملي لهم خير، في موضع المفعول الثاني، لأنه ينسبك منه مصدر المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول من حيث المعنى، والمصدر لا يكون الذات، فخرج ذلك على حذف مضاف من الأول أي: ولا تحسبن شأن الذين كفروا. أو من الثاني أي: ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب، أن الإملاء خير لأنفسهم حتى يصح كون الثاني هو الأول. وخرجه الأستاذ أبو الحسن بن الباذش والزمخشري: على أن يكون إنما نملي لهم خير لأنفسهم بدل من الذين. قال ابن الباذش: ويكون المفعول الثاني حذف لدلالة الكلام عليه، ويكون التقدير: ولا تحسبن الذين كفروا خيرية إملائنا لهم كائنة أو واقعة. وقال الزمخشري: (فإن قلت): كيف صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد؟ (قلت): صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحي، ألا تراك تقول: جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع سكوتك على متاعك انتهى. كلامه وهذا التخريج الذي خرجه ابن الباذش والزمخشري سبقهما إليه الكسائي والفراء، فالأوجه هذه القراءة التكرير والتأكيد. التقدير: ولا تحسبن الذين كفروا، ولا تحسبن إنما نملي لهم. قال الفراء ومثله: هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم، أي ما ينظرون إلا أن تأتيهم انتهى. وقدر بعضهم قول الكسائي والفراء فقال: حذف المفعول الثاني من هذه الأفعال لا يجوز عند أحد، فهو غلط منهما انتهى.
وقد أشبعنا الكلام في حذف أحد مفعولي ظن اختصارا
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»