تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٢٥
ومن الثاني قوله تعالى: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) * وقول قيس بن الأسلب:
* واضرب القوس يوم الوغى * بالسيف لم يقصر به باعي * ووهم الأستاذ أبو الحسن بن خروف في ذلك فزعم: أنها إذا كانت الجملة ماضية معنى لا لفظا احتاجت إلى الواو كان فيها ضميرا، ولم يكن فيها. والمستعمل في لسان العرب ما ذكرناه.
واتباعهم رضوان الله هو بخروجهم إلى العدو، وجراءتهم، وطواعيتهم للرسول الله. وختمها بقوله: والله ذو فضل عظيم، مناسب لقوله: * (بنعمة من الله وفضل) * تفضل عليهم بالتيسير والتوفيق في ما فعلوه، وفي ذلك تحسير لمن تخلف عن الخروج حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء من الثواب في الآخرة والثناء الجميل في الدنيا. وروي أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوا؟ فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو، ورضي عنهم. وهذه عاقبة تفويض أمرهم إليه تعالى، جازاهم بنعمته، وفضله، وسلامتهم واتباعهم رضاه.
* (إنما ذالكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) * ما: هي الكافة لأن عن العمل. وهي التي يزعم معظم أهل أصول الفقه أنها إذا لم تكن موصولة أفادت مع أن الحصر. وذلكم: إشارة إلى الركب المثبط. وقيل: المراد بالشيطان نعيم بن مسعود، أو أبو سفيان. فعلى هذا الأقوال تكون الإشارة إلى أعيان. وقيل: ذلكم إشارة إلى جميع ما جرى من أخبار الركب العبديين عن رسالة أبي سفيان، وتحميل أبي سفيان ذلك الكلام، وجزع من جزع منه من مؤمن أو متردد. فعلى هذا تكون الإشارة إلى معان، ولا بد إذ ذاك من تقدير مضاف محذوف تقديره: إنما ذلكم فعل الشيطان. وقدره الزمخشري قول الشيطان، أي قول إبليس. فتكون الإشارة على هذا التقدير إلى القول السابق وهو: أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. وعلى هذه الأقوال كلها فالخبر عن المبتدأ الذي هو ذلكم بالشيطان هو مجاز، لأن الأعيان ليست من نفس الشيطان، ولا ما جرى من قول فقط، أو من قول، وما انضم إليه مما صدر من العدو من تخويف، وما صدر من جزع، ليس نفس قول الشيطان ولا فعله، وإنما نسب إليه وأضيف، لأنه ناشىء عن وسوسته وإغوائه وإلقائه.
والتشديد في يخوف للنقل، كان قبله يتعدى لواحد، فلما ضعف صار يتعدى لاثنين. وهو من الأفعال التي يجوز حذف مفعوليها، وأحدهما اقتصار أو اختصار، أو هنا تعدى إلى واحد، والآخر محذوف. فيجوز أن يكون الأول ويكون التقدير: يخوفكم أولياء، أي شر أوليائه في هذا الوجه. لأن الذوات لا تخاف، ويكون المخوفون إذ ذاك المؤمنين، ويجوز أن يكون المحذوف المفعول الثاني، أي: يخوف أولياءه شر الكفار، ويكون أولياءه في هذا الوجه هم المنافقون، ومن في قلبه مرض المتخلفون عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: أنه لا يتعدى تخويفه المنافقين، ولا يصل إليكم تخويفه. وعلى الوجه الأول يكون أولياءه هم الكفار: أبو سفيان ومن معه. ويدل على هذا الوجه قراءة ابن مسعود وابن عباس يخوفكم أولياءه، إذ ظهر فيها أن المحذوف هو المفعول الأول. وقرأ أبي والنخعي: يخوفكم بأوليائه، فيجوز أن تكون الباء زائدة مثلها في يقرأن بالسور، ويكون المفعول الثاني هو بأوليائه، أي: أولياءه، كقراءة الجمهور. ويجوز أن تكون البار للسبب، ويكون مفعول يخوف الثاني محذوفا أي: يخوفكم الشر بأوليائه، فيكونون آلة للتخويف. وقد حمل بعض المعربين قراءة الجمهور يخوف أولياءه على أن التقدير: بأوليائه، فيكون إذ ذاك قد حذف مفعولا يخوف لدلالة، المعنى على الحذف، والتقدير: يخوفكم الشر بأوليائه، وهذا بعيد. والأحسن في الإعراب أن يكون ذلكم مبتدأ، والشيطان خبره، ويخوف جملة حالية، يدل على أن هذه الجملة حال مجيء المفرد منصوبا على الحال مكانها نحو قوله تعالى: * (فتلك بيوتهم خاوية) * * (وهاذا بعلى شيخا) * وأجاز أبو البقاء أن يكون الشيطان بدلا أو عطف بيان، ويكون بخوف
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»