المؤمنين. وأيضا ففي ذكره النص على نقيض ما حسبوه وهو: كون الشهداء أمواتا. والبعد عن أن يراد بقوله: يرزقون، ما يحتمله المضارع من الاستقبال. فإذا سبقه ما يدل على الالتباس بالوصف حالة الإخبار كان حكم ما بعده حكمه، إذ الأصل في الأخبار أن يكون من أسندت إليه متصفا بذلك في الحال، إلا إن دلت قرينة على مضي أو استقبال من لفظ أو معنى، فيصار إليه.
* (فرحين بما ءاتاهم الله من فضله) * أي مسرورين بما أعطاهم الله من قربه، ودخول جنته، ورزقهم فيها، إلى سائر ما أكرمهم به، ولا تعارض بين: فرحين، وبين * (إن الله لا يحب الفرحين) * في قصة قارون. لأن ذاك بالملاذ الدنيوية، وهذا بالملاذ الأخروية. ولذلك جاء قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا وجاء: * (وفى ذلك فليتنافس المتنافسون) *.
ومن يحتمل أن تكون للسبب، أي: ما آتاهم الله متسبب عن فضله، فتتعلق الباء بآتاهم. ويحتمل أن تكون للتبعيض، فتكون في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد على ما، أي: بما آتاهموه الله كائنا من فضله. ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية، فتتعلق بآتاهم. وجوزوا في فرحين أن يكون حالا من الضمير في يرزقون، أو من الضمير في الظرف، أو من الضمير في أحياء، وأن يكون صفة لأحياء إذا نصب.
* (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) * وهم: جميع المؤمنين، أي: يحصل لهم البشرى بانتفاء الخوف والحزن عن إخوانهم المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم في الشهادة، فهم فرحون بما حصل لهم، مستبشرون بما يحصل لأخوانهم المؤمنين قاله: الزجاج وابن فورك وغيرهما. وقال قتادة وابن جريج والربيع وغيرهم: هم الشهداء الذين يأتونهم بعد من إخوانهم المؤمنين الذين تركوهم يجاهدون فيستشهدون، فرحوا لأنفسهم ولمن يلحق بهم من الشهداء، إذ يصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة الله تعالى.
قال ابن عطية: وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة، بل هي بمعنى استغنى الله واستمجد المرخ والعفار. انتهى كلامه. أما قوله: ليست بمعنى طلب البشارة فصحيح، وأما قوله: بل هي بمعنى استغنى الله واستمجد المرخ والعفار، فيعني أنها تكون بمعنى الفعل المجرد كاستغنى بمعنى غني، واستمجد بمعنى مجد، ونقل أنه يقال: بشر الرجل بكسر الشين، فيكون استبشر بمعناه. ولا يتعين هذا المعنى، بل يجوز أن يكون مطاوعا لأفعل، وهو الأظهر أي: أبشره الله فاستبشر، كقولهم: أكانه فاستكان، وأشلاه فاستشلى، وأراحه فاستراح، وأحكمه فاستحكم، وأكنه فاستكن، وأمره فاستمر، وهو كثير. وإنما كان هذا الأظهر هنا، لأنه من حيث المطاوعة يكون منفعلا عن غيره، فحصلت له البشر بابشار الله له بذلك. ولا يلزم هذا المعنى إذا كان بمعنى المجرد، لأنه لا يدل على المطاوعة. ومعنى: من خلفهم، قد بقوا بعدهم، وهم قد تقدموهم إذا كان المعنى بالذين لم يلحقوا الشهداء، وإن كان المعني بهم المؤمنين فمعنى لم يلحقوا بهم أي: لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم.
* (أن لا * خوف عليهم ولا هم يحزنون) * وجوزوا في إعراب ويستبشرون أن يكون معطوفا على فرحين ومستبشرين كقوله: (صافات ويقبضن) أي قابضات وأن يكون على إضمارهم. والوا للحال، فتكون حالية من الضمير في فرحين، أو من ضمير المفعولين في آتاهم، أو للعطف. ويكون مستأنفا من باب عطف الجملة الاسمية أو الفعلية على نظيرها.
وإن هي المخففة من