التصديق فيعلق بشيء واحد: أنه تستحيل فيه الزيادة والنقص، فإنما ذلك بحسب متعلقاته دون ذاته، وحجج هذه الأقوال مذكورة في المصنفات التي تضمنت هذه المسألة، وقد أفردها بعض العلماء بالتصنيف في كتاب. ولما تقدم من المثبطين إخبار بأن قريشا قد جمعوا لكم، وأمر منهم لهم بخشيتهم لهذا الجمع الذي جمعوه، ترتب على هذا القول شيئان: أحدهما: قلبي وهو زيادة الإيمان، وهو مقابل للأمر بالخشية. فأخبر بحصول طمأنينة في القلب تقابل الخشية، وأخبر بعد بما يقابل جمع الناس وهو: إن كافيهم شر الناس هو الله تعالى، ثم أثنوا عليه تعالى بقوله: ونعم الوكيل، فدل على أن قولهم: حسبنا الله هو من المبالغة في التوكل عليه، وربط أمورهم به تعالى. فانظر إلى براعة هذا الكلام وبلاغته، حيث قوبل قول بقول، ومتعلق قلب بمتعلق قلب. وتقدم الكلام في حسب في قوله: * (فحسبه جهنم) * ومن قولهم: أحسبه الشيء كفاه. وحسب بمعنى المحسب، أي الكافي، أطلق ويراد به معنى اسم الفاعل. ألا ترى أنه يوصف به فتقول: مررت برجل حسبك من رجل، أي: كافيك. فتصف به النكرة، إذ إضافته غير محضة، لكونه في معنى اسم الفاعل غير الماضي المجرد من أل. وقال:
* وحسبك من غنى شبع وري أي كافيك. والوكيل: فعيل بمعنى مفعول، أي الموكول إليه الأمرور. قيل: وهذه الحسبلة هي قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار. والمخصوص بالمدح محذوف لفهم المعنى، التقدير: ونعم الوكيل الله. قال ابن الأنباري: الوكيل الرب قاله: قوم انتهى. والمعنى: أنه من أسماء صفاته تعالى كما تقول: القهار هو الله. وقيل: هو بمعنى الولي والحفيظ، وهو راجع إلى معنى الموكول إليه الأمور. قال الفراء: والوكيل الكفيل * (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) * أي: فرجعوا من بدر مصحوبين بنعمة من الله وهي: السلامة وحذر العدو إياهم، وفضل: وهو الريح في التجارة. كقوله: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * هذا الذي اختاره الزمخشري في تفسير هذا الانقلاب، ولم يذكر غيره، وهو قول مجاهد. قال ابن عطية: والجمهور على أن معنى هذه الآية فانقلبوا بنعمة، يريد: في السلامة والظهور، وفي اتباع العدو، وحماية الحوزة، وبفضل في الأجر الذي حازوه، والفخر الذي تخللوه، وأنها في غزوة أحد في الخرجة إلى حمراء الأسد. وشذ مجاهد وقال: في خروج النبي صلى الله عليه وسلم) إلى بدر الصغرى، وذكر قصة نعيم وأبي سفيان. قال: والصواب ما قاله الجمهور: إن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد، انتهى كلامه.
* والكلام في هذه الآية مبني على الخلاف في قوله: * (الذين استجابوا لله والرسول) * وقد تقدم ذكره عند ذكر تفسيرها. وفرق بعضهم بين الانقلاب والرجوع، بأن الانقلاب صيرورة الشيء إلى خلاف ما كان عليه. قال: ويوضح هذا أنك تقول: انقلبت الخمر خلا، ولا تقول: رجعت الخمر خلا انتهى كلامه، وفي ذلك نظر. وقيل: النعمة الأجر قاله: مجاهد. وقيل: العافية والنصر. قاله: الزجاج. قيل: والفضل ربح التجارة قاله: مجاهد، والسدي، والزهري. وتقدم حكاية هذا القول عن مجاهد. وقيل: أصابوا سرية بالصفراء فرزقوا منها قاله: مقاتل. وقيل: الثواب ذكره الماوردي. والجملة من قوله: لم يمسسهم سوء في موضع الحال، أي سالمين. وبنعمة حال أيضا، لأن الباء فيه باء المصاحبة، أي: انقلبوا متنعمين سالمين. والجملة الحالية المنفية بلم المشتملة على ضمير ذي الحال، يجوز دخول الواو عليها، وعدم دخولها. فمن الأول قوله تعالى: * (أو قال أوحى إلى) * ولم يوح إليه شيء، وقول الشاعر:
* لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب وإن كثرت في الأقاويل *