الهمزة للاستفهام الذي معناه الإنكار. وقال ابن عطية: دخلت عليها ألف التقرير، على معنى إلزام المؤمنين هذه المقالة في هذه الحال. وقال الزمخشري: ولما نصب بقلتم وأصابتكم في محل الجر بإضافة لما إليه، وتقديره: أقلتم حين أصابتكم، وأنى هذا نصب لأنه مقول، والهمزة للتقرير والتقريع. (فإن قلت): علام عطفت الواو هذه الجملة؟ (قلت): على ما مضى من قصة أحد من قوله: * (ولقد صدقكم الله وعده) ويجوز أن تكون معطوفة على محذوف، فكأنه قال: أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا؟ انتهى.
أما العطف على ما مضى من قصة أحد من قوله: ولقد صدقكم الله وعده. ففيه بعد، وبعيد أن يقع مثله في القرآن. وأما العطف على محذوف فهو جار على ما تقرر في غير موضع من مذهبه، وقد رددناه عليه. وأما على مذهب الجمهور سيبويه وغيره قالوا: وأصلها التقديم، وعطفت الجملة الاستفهامية على ما قبلها. وأما قوله: ولما نصب إلى آخره وتقديره: وقلتم حينئذ كذا، فجعل لما بمعنى حين فهذا ليس مذهب سيبويه، وإنما هو مذهب أبي علي الفارسي. زعم أن لما ظرف زمان بمعنى حين، والجملة بعدها في موضع جر بها، فجعلها من الظروف التي تجب إضافتها إلى الجمل، وجعلها معمولة للفعل الواقع جوابا لها في نحو: لما جاء زيد جاء عمرو، فلما في موضع نصب بجاء من قولك: جاء عمرو. وأما مذهب سيبويه فلما حرف لا ظرف، وهو حرف وجوب لوجوب، ومذهب سيبويه هو الصحيح. وقد بينا فساد مذهب أبي علي من وجوه في كتابنا المسمى: بالتكميل.
والمصيبة: هي ما نزل بالمؤمنين يوم أحد من قتل سبعين منهم، وكفهم عن الثبات للقتال. وإسناد الإصابة إلى المصيبة هو مجاز، كإسناد الإرادة إلى الجدار، والمثلان اللذان أصابوهما. قال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والربيع، وجماعة: قتلهم يوم بدر سبعين، وأسرهم سبعين، فالمثلية وقعت في العدد من إصابة الرجال. وقال الزجاج: قتلهم يوم بدر سبعين وقتلهم يوم أحد اثنين وعشرين، فهو قتل بقتل، ولا مدخل للأسرى في الآية، لأنهم فدوا فلا مماثلة بين حالهم وبين قتل سبعين من المؤمنين، وقيل: المثلية في الانهزام. هزم المؤمنون الكفار يوم بدر، وهزموهم أولا يوم أحد، وهزمهم المشركون في آخر يوم أحد. وملخص ذلك: هل المثلية في الإصابة من قتل وأسر، أو من قتل، أو من هزيمة؟ ثلاثة أقوال، والأظهر الأول. لأن قوله: قد أصبتم مثليها هو على طريق التفضل منه تعالى على المؤمنين يا دالتهم على الكفار، والتسلية لهم على ما أصابهم، فيكون ذلك بالأبلغ في التسلية. وتنبيههم على أنهم قتلوا منهم سبعين، وأسروا سبعين أبلغ في المنة وفي التسلية. وأدعى إلى أن يذكروا نعم الله عليهم السابقة، وأن يتناسوا ما جرى عليهم يوم أحد.
وأنى هذا: جملة من مبتدأ وخبر، وهي في موضع نصب على أنها معمولة لقوله: قلتم. قالوا ذلك على سبيل التعجب والإنكار لما أصابهم، والمعنى: كيف أصابنا هذا ونحن نقاتل أعداء الله، وقد وعدنا بالنصر وإمداد الملائكة؟ فاستفهموا على سبيل التعجب عن ذلك. وأنى سؤال عن الحال هنا، ولا يناسب أن يكون هنا بمعنى أين أو متى، لأن الاستفهام لم يقع عن المكان ولا عن الزمان هنا، إنما الاستفهام وقع عن الحالة التي اقتضت لهم ذلك، سألوا عنها على سبيل التعجب. وقال الزمخشري: أنى هذا من أين هذا، كقوله: (أنى لك هذا) لقوله: (من عند أنفسكم) وقوله: (من عند الله) انتهى كلامه. والظرف إذا وقع خبر للمبتدأ ألا يقدر داخلا عليه حرف جر غير في، أما أن يقدر داخلا عليه من فلا، لأنه إنما انتصب على إسقاط في. ولك إذا أضمر الظرف تعدى إليه الفعل بوساطة في ألا أن يتسع في الفعل فينصبه