تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٣
تعمدنا، وقال قطرب، والطبري: نسينا تركنا، وأخطأنا. قال الطبري: قصدنا. وقال قطرب: أخطأنا في التأويل. قال الأصمعي: يقال أخطأ: سها وخطىء تعمد قال الشاعر:
* والناس يلحون الأمير إذا هم * خطئوا الصواب ولا يلام المرشد * ومن المفسرين من حمل النسيان هنا والأخطاء على ظاهرهما، وهما اللذان لا يؤاخذ المكلف بهما، وتجوز عنهما إن صدرامنه، وإياه أجاز الزمخشري في آخر كلامه في هذه الآية، واختاره ابن عطية قال الزمخشري: ذكر النيسان والخطأ والمراد بهما ما هما منسيان عنه من التفريط والإغفال ألا ترى إلى قوله * (وما أنسانيه إلا الشيطان) *؟ والشيطان لا يقدر على فعل النسيان، وإنما يوسوس، فتكون وسوسته سببا للتفريط الذي منه النسيان، ولأنهم كانوا متقين لله حق تقاته، فما كانت تفرط منهم فرطة إلا على وجه النسيان والخطأ، فكان وصفهم بالدعاء بذلك إيذانا ببراءة ساحتهم عما يؤاخذون به، كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به فما منهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان، ويجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله، لاستدامته والاعتداد بالنعمة فيه. انتهى كلامه.
قال ابن عطية ذهب كثير من العلماء إلى أن الدعاء في هذه الآية إنما هو في النسيان الغالب والخطأ عن المقصود، وهذا هو الصحيح.
قال قتادة في تفسير الآية: بلغني أن النبي عليه السلام قال: (إن الله تجاوز لأمتي عن نسيانها وخطئها) وقال السدي: لما نزلت هذه الآية تغالوا قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم): قد فعل الله ذلك يا محمد.
فظاهر قوليهما، يعني قتادة والسدي ما صححته. وذلك أن المؤمنين لما كشف عنهم ما خافوه في قوله تعالى: * (يحاسبكم به الله) * أمروا بالدعاء في دفع ذلك النوع الذي ليس من طاقة الإنسان دفعه، وذلك في النسيان والخطأ. انتهى كلامه.
وقيل: النسيان فيه ومنه ما لا يعذر فالأول، كنسيان النجاسة في الثوب بعد العلم بها، فمثل هذا هو المطلوب عدم المؤاخذة به، وهو ما إذا ترك التحفظ وأعرض عن أسباب الذكر، وقيل: هذا دعاء على سبيل التقدير، فكأنهم قالوا: إن كان النسيان مما تجوز المؤاخذة به فلا تؤاخذ به، وقيل: المؤاخذة به غير ممتنعة عقلا، وذلك أن الإنسان إذا علم أنه مؤاخذ به استدام التذكر، فحينئذ لا يصدر عنه إلا استدامة التذكر، وذلك فعل شاق على النفس، فحسن الدعاء بترك المؤاخذة به.
وقد استدل بهذه الآية على جواز تكليف ما لا يطاق، وقيل: في الآية دليل على حصول العفو لأصحاب الكبائر، لأن حمل النسيان والخطأ على ما لا يؤاخذ به قبيح طلبه والدعاء به، فتعين أن يحمل على ما كان فيه العمد إلى المعصية، فيكون النسيان ترك الفعل، والخطأ الفعل. وقد أمر تعالى المؤمنين بطلب عدم المؤاخذة بهما، فهو أمر منه لهم أن يطلبوا منه أن لا يعذبهم على المعاصي، وهذا دليل على إعطائه إياهم هذا المطلوب.
* (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) * قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن جريج، والربيع، وابن زيد: الإصر: العهد والميثاق الغليظ وقال ابن زيد أيضا: الإصر: الذنب الذي لا كفارة فيه ولا توبة
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»