محصورا فيما نقله البصريون فقط، والقراءات لا تجيء على ما علمه البصريون ونقلوه، بل القراء من الكوفيين يكادون يكونون مثل قراء البصرة، وقد اتفق على نقل إدغام الراء في اللام كبير البصريين ورأسهم: أبو عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي. وكبراء أهل الكوفة: الرواسي، والكسائي، والفراء، وأجازوه ورووه عن العرب، فوجب قبوله والرجوع فيه إلى علمهم ونقلهم، إذ من علم حجة على من لم يعلم.
وأما قول الزمخشري: إن راوي ذلك عن أبي عمرو مخطىء مرتين، فقد تبين أن ذلك صواب، والذي روي ذلك عنه الرواة، ومنهم: أبو محمد اليزيدي وهو إمام في النحو إمام في القراءات في اللغات.
قال النقاش: يغفر لمن ينزع عنه، ويعذب من يشاء إن أقام عليه.
وقال الثوري: يغفر لمن يشاء العظيم، ويعذب من يشاء على الصغير.
وقد تعلق قوم بهذه الآية في جواز تكليف ما لا يطاق، وقالوا: كلفوا أمر الخواطر، وذلك مما لا يطاق.
قال ابن عطية: وهذا غير بين، وإنما كان من الخواطر تأويلا تأوله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)، ولم يثبت تكليفا.
* (والله على كل شيء قدير) *. لما ذكر المغفرة والتعذيب لمن يشاء، عقب ذلك بذكر القدرة، إذ ما ذكر جزء من متعلقات القدرة.
* (الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل) * سبب نزولها أنه لما نزل: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم) * الآية أشفقوا منها، ثم تقرر الأمر على أن * (قالوا سمعنا وأطعنا) * فرجعوا إلى التضرع والاستكانة، فمدحهم الله وأثنى عليهم، وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم، وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم، فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من: ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والجلاء، إذ * (قالوا سمعنا وعصينا) * وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله، أعاذنا الله تعالى من نقمه. انتهى هذا، وهو كلام ابن عطية.
وظهر بسبب النزول مناسبة هذه الآية لما قبلها، ولما كان مفتتح هذه السورة بذكر الكتاب المنزل، وأنه هدى للمتقين الموصوفين بما وصفوا به من الإيمان بالغيب، وبما أنزل إلى الرسول وإلى من قبله، كان مختتمها أيضا موافقا لمفتتحها.
وقد تتبعت أوائل السور المطولة فوجدتها يناسبها أواخرها، بحيث لا يكاد ينخرم منها شيء، وسأبين ذلك إن شاء الله في آخر كل سورة سورة، وذلك من أبدع الفصاحة، حيث يتلاقى آخر الكلام المفرط في الطول بأوله، وهي عادة للعرب في كثير من نظمهم، يكون أحدهم آخذا في شيء، ثم يستطرد منه إلى شيء آخر، ثم إلى آخر، هكذا طويلا، ثم يعود إلى ما كان آخذا فيه أولا. ومن أمعن النظر في ذلك سهل عليه مناسبة ما يظهر ببادىء النظم أنه لا مناسبة له، فبين تعالى في آخر هذه السورة أن أولئك المؤمنين هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم).
قال المروزي: * (الرسول بما) * قال الحسن، ومجاهد، وابن سيرين، وابن عباس في رواية: أن هاتين الآيتين لم ينزل بهما جبريل، وسمعهما صلى الله عليه وسلم) ليلة المعراج بلا واسطة، والبقرة مدنية إلا هاتين الآيتين.
وقال ابن عباس في رواية أخرى، وابن جبير، والضحاك، وعطاء: إن جبريل نزل عليه بهما بالمدينة، وهي رد على من يقول: إن شاء الله في إيمانه، لأن الله تعالى شهد بإيمان المؤمنين، فالشك فيه شك في علم الله تعالى. انتهى كلامه.
والألف واللام في: الرسول، هي للعهد، وهو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم)، وقد كثر في القرآن تسميته من الله بهذا الاسم الشريف، وما أنزل إليه من ربه شامل لجميع ما أنزل إليه من الله تعالى: من العقائد، وأنواع الشرائع، وأقسام الأحكام في القرآن، وفي غيره. آمن بأن ذلك وحي من الله وصل إليه، وقدم الرسول لأن إيمانه هو المتقدم وإيمان المؤمنين متأخر عن إيمانه، إذ هو المتبوع وهم التابعون في ذلك.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، لما نزلت عليه، قال: (يحق له أن يؤمن).
والظاهر أن يكون قوله: والمؤمنون، معطوفا على قوله: الرسول، ويؤيده قراءة علي، وعبد الله: وآمن المؤمنون، فأظهر الفعل الذي أضمره غيره من القراء، فعلى هذا يكون: كل، لشمول الرسول والمؤمنين، وجوزوا أن يكون الوقف تم عند قوله: من ربه، ويكون: المؤمنون، مبتدأ، و: كل