لا يكون إلا لنفسه. يقال: كاسب أهله، ولا يقال: مكتسب أهله قال الشاعر:
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة وقال الزمخشري: ينفعها ما كسبت من خير، ويضرها ما اكتسبت من شر، لا يؤاخذ غيرها بذنبها ولا يثاب غيرها بطاعتها.
فإن قلت لم خص الخير بالكسب والشر بالاكتساب.
قلت: في الاكتساب إعتمال، فاما كان الشر مما تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه، وأمارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه. ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال. انتهى كلامه.
وقال ابن عطية: وكرر فعل الكسب، فخالف بين التصريف حسنا لنمط الكلام، كما قال: * (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) * هذا وجه، والذي يظهر لي في هذا أن الحسنات هي مما تكتسب دون تكلف، إذ كاسبها على جادة أمر الله ورسم شرعه، والسيئات تكتسب ببناء المبالغة إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهى الله تعالى، ويتخطاه إليها، فيحسن في الآية مجيء التصريفين احترازا لهذا المعنى. انتهى كلامه.
وحصل من كلام الزمخشري، وابن عطية: أن الشر والسيئات فيها اعتمال، لكن الزمخشري قال: إن سبب الاعتمال هو اشتهاء النفس وانجذابها إلى ما تريده، وابن عطية قال: إن سبب ذلك هو أنه متكلف، خرق حجاب نهي الله تعالى، فهو لا يأتي المعصية إلا بتكلف، ونحا السجاوندي قريبا من منحى ابن عطية، وقال: الافتعال الالتزام، وشره يلزمه، والخير يشرك فيه غيره بالهداية والشفاعة.
والافتعال. الإنكماش، والنفس تنكمش في الشر انتهى. وجاء: في الخير، باللام لأنه مما يفرح به ويسر، فأضيف إلى ملكه. وجاء: في الشر، بعلى من حيث هو أوزار وأثقال، فجعلت قد علته وصار تحتها، يحملها. وهذا كما تقول لي مال وعلى دين.
* (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * هذا على إضمار القول، أي: قولوا في دعائكم: ربنا لا تؤاخذنا، والدعاء مخ العبادة، إذ الداعي يشاهد نفسه في مقام الحاجة والذلة والافتقار، ويشاهد ربه بعين الاستغناء والإفضال، فلذلك ختمت هذه الصورة بالدعاء والتضرع، وافتتحت كل جملة منها بقولهم: ربنا، إيذانا منهم بأنهم يرغبون من ربهم الذي هو مربيهم، ومصلح أحوالهم، ولأنهم مقرون بأنهم مربوبون داخلون تحت رق العبودية والافتقار، ولم يأت لفظ: ربنا، في الجمل الطلبية أخيرا لأنها نتائج ما تقدم من الجمل التي دعوا فيها: بربنا، وجاءت مقابلة كل جملة من الثلاث السوابق جملة، فقابل * (لا تؤاخذنا) * بقوله * (واعف عنا) * وقابل * (ولا تحمل علينا إصرا) *. بقوله: * (واغفر لنا) * وقابل قوله * (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * بقوله: * (وارحمنا) * لأن من آثار عدم المؤاخذة بالنسيان والخطأ العفو، ومن آثار عدم حمل الإصر عليهم المغفرة، ومن آثار عدم تكليف ما لا يطاق الرحمة.
ومعنى: المؤاخذة، العاقبة. وفاعل هنا بمعنى الفعل المجرد، نحو: أخذ، لقوله: * (فكلا أخذنا بذنبه) * وهو أحد المعاني التي جاءت لها فاعل، وقيل: جاء بلفظ المفاعلة، وهو فعل واحد، لأن المسئ قد أمكن من نفسه، وطرق السبيل إليها بفعله، فصار من يعاقب تذنبه كالمعين لنفسه في إيذائها، وقيل إنه تعالى يأخذ المذنب بالعقوبة، والمذنب كأنه يأخذ ربه بالمطالبة بالعفو والتكرم، إذ لا يجد من يخلصه من عذاب الله إلا هو تعالى، فلذلك يتمسك العبد عند الخوف منه به، فعبر عن كل واحد بلفظ المؤاخذة والنسيان الذي هو: عدم الذكر، والخطأ موضوعان عن المكلف لا يؤاخذ بهما، فقال عطاء: نسينا: جهلنا، وأخطأنا: