تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٤
منه وقال مالك: الإصر: الأمر الغليظ الصعب وقال عطاء: الإصر: المسخ قردة وخنازير، وقيل: الإثم. حكاه ثعلب. وقيل: فرض يصعب أداؤه، وقيل: تعجيل العقوبة. روي ذلك عن قتادة. وقال الزجاج: محنة تفتننا كالقتل والجرح في بني إسرائيل، والجعل لمن يكفر سقفا من فضة. وقال الزمخشري: العبء الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه مكانه لا يستقل به، استعير للتكليف الشاق من نحو: قتل النفس، وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب، وغير ذلك. انتهى.
قال القفال: من نظر في السفر الخامس منالتوراة التي يدعيها هؤلاء اليهود، وقف على ما أخذ عليهم من غليظ العهود والمواثيق، ورأى الأعاجيب الكثيرة.
وقرأ أبي: ولا تحمل، بالتشديد، و: آصارا، بالجمع. وروي عن عاصم أنه قرأ: أصرا، بضم الهمزة. و: الذين من قبلنا، المراد به اليهود. وقال الضحاك: والنصارى.
* (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * قال قتادة: لا تشدد علينا كما شددت على من كان قبلنا وقال الضحاك: لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق. وقال نحوه ابن زيد. وقال ابن جريج: لا تمسخنا قردة وخنازير، وقال مكحول، وسلام بن سابور: الذي لا طاقة لنا به الغلمة، وحكاه النقاش عن مجاهد، وعطاء، ومكحول. وروي أن أبا الدرداء كان يقول في دعائه. وأعوذ بك من غلمة ليس لها عدة. وقال النخعي: الحب. وقال محمد بن عبد الوهاب: العشق، وقيل: القطيعة. وقيل: شماتة الأعداء. روى وهب أن أيوب، على نبينا وعليه السلام، قيل له: ما كان أشق عليك في بلائك: قال شماتة الأعداء قال الشاعر:
* أشمت بي الأعداء حين هجرتني * والموت دون شماتة الأعداء * وقال السدي: التغليظ والأغلال التي كانت على بني إسرائيل من التحريم. وقيل: عذاب النار. وقيل: وساوس النفس.
وينبغي أن تحمل هذه التفاسير على أنها على سبيل التمثيل، لا على سبيل تخصيص العموم.
و: ما، في، قوله * (ما لا طاقة لنا به) * عام، وهذا أعم من الذي قبله في الآية، لأنه قال في تلك: * (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) * فشبه الإصر بالإصر الذي حمله على من قبلهم، وهنا سألوا أن لا يحملهم ما لا طاقة لهم به، وهو أعم من الإصر السابق لتخصيصه بالتشبيه. وعموم هذا، والتشديد في: ولا تحملنا، للتعدية. وفي قراءة أبي في قوله: * (ولا تحمل علينا إصرا) * للتكثير في حمل: كجرحت زيدا وجرحته، وقيل: ما لا طاقة لنا به من العقوبات النازلة بمن قبلنا، طلبوا أولا أن يعفيهم من التكاليف الشاقة بقوله: * (ولا تحمل علينا إصرا) * ثم ثانيا طلبوا أن يعفيهم عما نزل على أولئك من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها. انتهى.
والطاقة القدرة على الشيء، وهي مصدر جاء على غير قياس المصادر، والقياس طاقة، فهو نحو: جابة، من أجاب، و: غارة، من أغار. في ألفاظ سمعت لا يقاس عليها. فلا يقال: أطال طالة، وهذا يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يعني بما لا طاقة، ما لا قدرة لهم عليه البتة، وليس في وسعهم، وهو المعنى الذي وقع فيه الخلاف.
والثاني: أن يعني بالطاقة ما فيه المشقة الفادحة، وإن كان مستطاعا حملها.
فبالمعنى الأول يرجع إلى
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»