تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٠
عمرو بن جرير، ويعقوب، ونص رواة أبي عمر: ولا يفرق، بالياء على لفظ: كل.
قال هارون: وهي في مصحف أبي، وابن مسعود: لا يفرقون، حمل على معنى: كل بعد الحمل على اللفظ، والمعنى: أنهم ليسوا كاليهود والنصارى يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
والمقصود من هذا الكلام إثبات النبوة، وهو ظهور المعجزة على وفق الدعوى فاختصاص بعض دون بعض متناقض، لا ما ادعاه بعضهم من أن المقصود هو عدم التفضيل بينهم، و: أحد، هنا هي المختصة بالنفي، وما أشبهه؟ فهي للعموم، فلذلك دخلت: من، عليها كقوله تعالى: * (فما منكم من أحد عنه حاجزين) * والمعنى بين آحادهم قال الشاعر:
* إذا أمور الناس ديكت دوكا * لا يرهبون أحدا رأوكا * قال بعضهم: وأحد، قيل: إنه بمعنى جميع، والتقدير: بين جميع رسله، ويبعد عندي هذا التقدير، لأنه لا ينافي كونهم مفرقين بين بعض الرسل. والمقصود بالنفي وهذا، لأن اليهود والنصارى ما كانوا يفرقون بين كل الرسل، بل البعض، وهو محمد صلى الله عليه وسلم)، فثبت أن التأويل الذي ذكره باطل، بل معنى الآية: لا يفرق أحد من رسله وبين غيره في النبوة. انتهى. وفيه بعض تلخيص. ولا يعني من فسرها: بجميع، أو قال: هي في معنى الجميع، إلا أنه يريد بها العموم نحو: ما قام أحد، أي: ما قام فرد فرد من الرجال، مثلا، ولا فرد فرد من النساء، لا أنه نفي القيام عن الجميع، فيثبت لبعض، ويحتمل عندي أن يكون مما حذف فيه المعطوف لدلالة المعنى عليه، والتقدير: لا يفرق بين أحد من رسله وبين أحد، فيكون أحد هنا بمعنى واحد، لا أنه اللفظ الموضوع للعموم في النفي. ومن حذف المعطوف: سرابيل تقيكم الحر أي والبرد وقول الشاعر:
* فما كان بين الخير لو جاء سالما * أبو حجر إلا ليال قلائل أي: بين الخير وبيني، فحذف، وبيني، لدلالة المعنى عليه.
* * (وقالوا سمعنا وأطعنا) * أي: سمعنا قولك وأطعنا أمرك، ولا يراد مجرد السماع، بل القبول والإجابة. وقدم: سمعنا، على: وأطعنا، لأن التكليف طريقه السمع، والطاعة بعده، وينبغي للمؤمن أن يكون قائلا هذا دهره.
* (غفرانك ربنا) * أي: من التقصير في حقك، أو لأن عبادتنا، وإن كانت في نهاية الكمال، فهي بالنسبة إلى جلالك تقصير.
* (وإليك المصير) * إقرار بالمعاد. أي: وإلى جزائك المرجع، وانتصاب: غفرانك، على المصدر، وهو من المصادر التي يعمل فيها الفعل مضمرا، التقدير عند سيبويه: اغفر لنا غفرانك، قال السجاوندي: ونسبه ابن عطية للزجاج، وقال الزمخشري: غفرانك منصوب بإضمار فعله، يقال: غفرانك لاكفرانك، أي: نستغفرك ولانكفرك. فعلى التقدير الأول: الجملة طلبية، وعلى الثاني: خبرية.
واضطرب قول ابن عصفور فيه، فمرة قال: هو منصوب بفعل يجوز إظهاره، ومرة قال: هو منصوب يلتزم إضماره. وعده مع: سبحان الله، وأخواتها. وأجاز بعضهم انتصابه على المفعول به، أي: نطلب، أو: نسأل غفرانك. وجوز بعضهم الرفع فيه على أن يكون مبتدأ، أي: غفرانك بغيتنا.
والمصير: اسم مصدر من صار يصير، وهو مبني على: مفعل، بكسر العين، وقد اختلف النحويون في بناء المفعل مما عينه ياء نحو: يبيت، ويعش، ويحيض، ويقيل، ويصير، فذهب بعضهم إلى أنه كالصحيح، نحو: يضرب، يكون للمصدر بالفتح، وللمكان والزمان نحو
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»