تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٧٢
مطلقا.
والظاهر من اشتراط القبض أن يكون المرهون ذاتا متقومة يصح بيعها وشراؤها، ويتهيأ فيها القبض أو التخلية. فقال الجمهور: لا يجوز رهن ما في الذمة. وقالت المالكية: يجوز، وقال الجمهور: لا يصح رهن الغرر، مثل: العبد الآبق، والبعير الشارد، والأجنة في بطون أمهاتها، والسمك في الماء، والثمرة قبل بدو صلاحها وقال مالك: لا بأس بذلك.
واختلفوا في رهن المشاع، فقال مالك، والشافعي: يصح فيما يقسم وفيما لا يقسم. وقال أبو حنيفة: لا يصح مطلقا. وقال الحسن بن صالح: يجوز فيما لا يقسم، ولا يجوز فيما يقسم.
ومعنى: على سفر، أي: مسافرين، وقد تقدم الكلام على مثله في آية الصيام.
ويحتمل قوله: ولم تجدوا، أن يكون معطوفا على فعل الشرط، فتكون الجملة في موضع جزم، ويحتمل أن تكون الواو للحال، فتكون الجملة في موضع نصب. ويحتمل أن يكون معطوفا على خبر كان، فتكون الجملة في موضع نصب، لأن المعطوف على الخبر خبر، وارتفاع: فرهان، على أنه خبر مبتدأ محذوف، التقدير: فالوثيقة رهان مقبوضة.
* (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته) * أي: إن وثق رب الدين بأمانة الغريم، فدفع إليه ماله بغير كتاب ولا إشهاد ولا رهن، فليؤد الغريم أمانته، أي ما ائتمنه عليه رب المال وقرأ أبي: فإن أومن، رباعيا مبنيا للمفعول، أي: آمنه الناس، هكذا نقل هذه القراءة عن أبي الزمخشري، وقال السجاوندي: وقرأ أبي: فإن ائتمن، افتعل من الأمن، أي: وثق بلا وثيقة صك، ولا رهن.
والضمير في: أمانته، يحتمل أن يعود إلى رب الدين، ويحتمل أن يعود إلى الذي اؤتمن. والأمانة: هو مصدر أطلق على الشيء الذي في الذمة، ويحتمل أن يراد به نفس المصدر، ويكون على حذف مضاف، أي: فليؤد دين أمانته. واللام في: فليؤد، للأمر، وهو للوجوب. وأجمعوا على وجوب أداء الديون، وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه، ويجوز إبدال همزة: فليؤد، واوا نحو: يوجل ويوخر ويواخذ، لضمة ما قبلها.
وروى أبو بكر عن عاصم: الذي اؤتمن، برفع الألف، ويشير بالضمة إلى الهمزة. قال ابن مجاهد: وهذه الترجمة غلط. وروي سليم عن حمزة إشمام الهمزة الضم، وفي الإشارة والإشمام المذكورين نظر.
وقرأ ابن محيصن، وورش بإبدال الهمزة ياء، كما أبدلت في بئر وذئب، وأصل هذا الفعل: أؤتمن، بهمزتين: الأولى همزة الوصل، وهي مضمومة. والثاني: فالكلمة، وهي ساكنة، فتبدل هذه واوا لضمة ما قبلها، ولاستثقال اجتماع الهمزتين، فإذا اتصلت الكلمة بما قبلها رجعت الواو إلى أصلها من الهمزة، لزوال ما أوجب إبدالها. وهي همزة الوصل، فإذا كان قبلها كسرة جاز، إبدالها ياء لذلك.
وقرأ عاصم في شاذه: اللذتمن، بإدغام التاء المبدلة من الهمزة قياسا على: اتسر، في الافتعال من اليسر قال الزمخشري: وليس بصحيح، لأن التاء منقلبة عن الهمزة في حكم الهمزة، واتزر عامي، وكذلك ريا في رؤيا. انتهى. كلامه.
وما ذكر الزمخشري فيه أنه ليس بصحيح، وأن اترز عامي يعني: أنه من إحداث العامة، لا أصل له في اللغة، قد ذكره غيره، أن بعضهم أبدل وأدغم، فقال: اتمن واتزر، وذكر أن ذلك لغة رديئة. وأما قوله: وكذلك ريا في رؤيا، فهذا التشبيه إما أن يعود إلى قوله: واترز عامي، فيكون إدغام ريا عاميا. وإما أن يعود إلى قوله: فليس بصحيح، أي: وكذلك إدغام: ريا، ليس بصحيح. وقد حكى الإدغام في ريا الكسائي.
* (وليتق الله
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»