العقوبات. وما أشبهها. وبالمعنى الثاني يرجع إلى التكاليف قال ابن الأنباري: المعنى لا تحملنا حملا يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه. خاطب العرب على حسب ما يعقل فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أطيق النظر إليه، وهو مطيق للنظر إليه لكنه يثقل عليه، ومثله * (ما كانوا يستطيعون السمع) *.
* (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا) * تقدم تفسير العفو والغفران والرحمة، طلبوا العفو وهو الصفح عن الذنب: وإسقاط العقاب، ثم ستره عليهم صونا لهم من عذاب التخجيل، لأن العفو عن الشيء لا يقتضي ستره فيقال: عفا عنه إذا وقفه على الذنب ثم أسقط عنه عقوبة ذلك الذنب، فسألوا الإسقاط للعقوبة أولا لأنه الأهم، إذ فيه التعذيب الجسماني والنعيم الروحاني بتجلى البارىء تعالى لهم وقال الراغب: العفو إزالة الذنب بترك عقوبته، والغفران ستر الذنب وإظهار الإحسان بدله، فكأنه جمع بين تغطية ذنبه، وكشف الإحسان الذي غطى به. والرحمة إفاضة الإحسان إليه، فالثاني أبلغ من الأول، والثالث أبلغ من الثاني. انتهى. وقيل: واعف عنا من المسخ، واغفر لنا عن الخسف من القذف، وقيل: اعف عنا من الأفعال، واغفر لنا من الأقوال، وارحمنا بثقل الميزان. وقيل: واعف عنا في سكرات الموت، واغفر لنا في ظلمة القبر، وارحمنا في أهوال يوم القيامة. وكل هذه الأقوال تخصيصات لا دليل عليها.
* (أنت مولانا) * المولى مفعل من ولي يلي، يكون للمصدر والزمان والمكان. أما إذا أريد به مالك التدبير والتصريف في وجوه الضر والنفع، أو السيد، أو الناصر، أو ابن العم أو غير ذلك من محامله، فأصله المصدر، سمي به وغلبت عليه الإسمية، ووليته العوامل.
* (فانصرنا على القوم الكافرين) * أدخل الفاء إيذانا بالسببية. لأن كونه تعالى مولاهم، ومالك تدبيرهم، وأمرهم، ينشأ عن ذلك النصرة لهم على أعدائهم، كما تقول: أنت الشجاع فقاتل، وأنت الكريم فجد علي. أي: أظهرنا عليهم بما تحدث في قلوبنا من الجرأة والقوة، وفي قلوبهم من الخور والجبن.
وتضمنت هذه الآية من أنواع الفصاحة وضروب البلاغة أشياء، منها: الطباق في * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) * والطباق المعنوي في: * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * لأن: لها، إشارة إلى ما يحصل به نفع، و: عليها، إشارة إلى ما يحصل به ضرر. والتكرار في قوله: * (وما فى الارض) * كرر: ما، تنبيها وتوكيدا. وفي قوله: * (بين أحد من رسله) * وفي قوله: ما كسبت وما اكتسبت. إذا قلنا إنهما بمعنى واحد، إذ كان يعني: لها ما كسبت. والتجنيس المغاير في: * (من * والمؤمنون) *. والحذف في عدة مواضع. والله أعلم.