تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٩
وأشهد عليه.
و: ترتابوا، بني افتعل من الريبة، وتقدم تفسيرها في قوله * (القيامة لا ريب فيه) * قيل: والمعنى: أن لا ترتابوا بمن عليه الحق أن ينكر، وقيل: أن لا ترتابوا بالشاهد أن يضل، وقيل: في الشهادة ومبلغ الحق والأجل، وقيل: المعنى أقرب لنفي الشك للشاهد والحاكم والمتعاملين، وما ضبط بالكتابة والإشهاد لا يكاد يقع فيه شك ولا لبس ولا نزاع.
* (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح * أن لا * تكتبوها) * في التجارة الحاضرة قولان: أحدهما: ما يعجل ولا يدخله أجل من بيع وثمن؛ والثاني: ما يجوزه المشتري من العروض المنقولة، وذلك في الأغلب إنما هو في قليل: كالمطعوم، بخلاف الأملاك. ولهذا قال السدي، والضحاك: هذا فيما إذا كان يدا بيد تأخذه وتعطي. وفي معنى الإدارة، قولان: أحدهما: يتناولونها من يد إلى يد. والثاني: يتبايعونها في كل وقت، والإدارة تقتضي التقابض والذهاب بالمقبوض، ولما كانت الرباع والأرض، وكثير من الحيوان لا تقوى البينونة، ولا يعاب عليها حسن الكتب والإشهاد فيها، ولحقت بمبايعة الديون، ولما كانت الكتابة في التجارة الحاضرة الدائرة بينهم شاقة، رفع الجناح عنهم في تركها، ولأن ما بيع نقدا يدا بيد لا يكاد يحتاج إلى كتابة، إذ مشروعية الكتابة إنما هي لضبط الديون، إذ بتأجيلها يقع الوهم في مقدارها وصفتها وأجلها، وهذا مفقود في مبايعة التاجر يدا بيد. وهذا الاستثناء في قوله: إلا أن تكون، منقطع لأن ما بيع لغير أجل مناجزة لم يندرج تحت الديون المؤجلة. وقيل: هو استثناء متصل، وهو راجع إلى قوله * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * إلا أن يكون الأجل قريبا. وهو المراد من التجارة الحاضرة. وقيل: هو متصل راجع إلى قوله: * (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب) * وقرأ عاصم: تجارة حاضرة، بنصبهما على أن كان ناقصة، التقدير إلا أن تكون هي أي التجارة. وقرأ الباقون برفعهما على أن يكون: تكون، تامة. و: تجارة، فاعل بتكون، وأجاز بعضهم أن تكون ناقصة وخبرها الجملة من قوله: تديرونها بينكم. ونفي الجناح هنا معناه لا مضرة عليكم في ترك الكتابة، هذا على مذهب أكثر المفسرين، إذا الكتابة عندهم ليست واجبة، ومن ذهب إلى الوجوب فمعني: لا جناح، لا إثم.
* (وأشهدوا إذا تبايعتم) * هذا أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا، ناجزا أو كالئا، لأنه أحوط وأبعد مما عسى أن يقع في ذلك من الاختلاف، وقيل: يعود إلى التجارة الحاضرة، لما رخص في ترك الكتابة أمروا بالإشهاد.
قيل: وهذه الآية منسوخة بقوله: * (فإن أمن بعضكم بعضا) * روي ذلك عن الجحدري، والحسن، وعبد الرحمن بن يزيد، والحكم. وقيل: هي محكمة، والأمر في ذلك على الوجوب قال ذلك أبو موسى الأشعري، وابن عمر، والضحاك، وابن المسيب، وجابر بن زيد، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم، والشعبي، والنخعي، وداود بن علي، وابنه أبو بكر، والطبري.
قال الضحاك: هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل وقال عطاء: أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم، أو نصف درهم، أو ثلاث دراهم، أو أقل من ذلك وقال الطبري: لا يحل لمسلم إذا باع وإذا اشترى إلا أن يشهد، وإلا كان مخالفا لكتاب الله عز وجل. وذهب الحسن وجماعة إلى أن هذا الأمر على الندب والإرشاد لا على الحتم قال ابن العربي: وهذا قول الكافة.
* (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * هذا نهي، ولذلك فتحت الراء لأنه مجزوم.
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»