تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٧٤
المفعول بأثم، أي: جعله آثما.
* (والله بما تعملون عليم) * بما تعملون عام في جميع الأعمال، فيدخل فيها كتمان الشهادة وأداؤها على وجهها. وفي الجملة توعد شديد لكاتم الشهادة، لأن علمه بها يترتب عليه المجازاة، وإن كان لفظ العلم يعم الوعد والوعيد.
وقرأ السلمي: بما يعملون، بالياء جريا على قراءته، و: لا يكتموا، بالياء على الغيبة.
وقد تضمنت هذه الآية من ضروب الفصاحة.
التجنيس المغاير في قوله: إذا تداينتم بدين، وفي قوله: وليكتب بينكم كاتب. وفي قوله: ولا يأب كاتب أن يكتب. وفي قوله: ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم. وفي قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم. وفي قوله: أؤتمن أمانته.
والتجنيس المماثل في قوله: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها.
والتأكيد في قوله: تداينتم بدين، وفي قوله: وليكتب بينكم كاتب، إذ يفهم من قوله: تداينتم، قوله: بدين، ومن قوله: فليكتب، قوله: كاتب.
والطباق في قوله: أن تضل إحداهما فتذكر، لأن الضلال هنا بمعنى النسيان. وفي قوله: صغيرا أو كبيرا.
والتشبيه في قوله: أن يكتب كما علمه الله.
والاختصاص في قوله: كاتب بالعدل. وفي قوله: فليملل وليه بالعدل، وفي قوله: أقسط عند الله وأقوم للشهادة. وفي قوله: تجارة حاضرة تديرونها بينكم.
والتكرار في قوله: فاكتبوه وليكتب، وأن يكتب كما علمه الله، فليكتب، ولا يأب كاتب، وفي قوله: فليملل الذي عليه الحق، فإن كان الذي عليه الحق. كرر الحق للدعاء إلى اتباعه، وأتى بلفظة على للإعلام أن لصاحب الحق مقالا واستعلاء، وفي قوله: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى. وفي قوله: واتقوا الله، ويعلمكم الله، والله.
والحذف في قوله: يا أيها الذين آمنوا، حذف متعلق الإيمان. وفي قوله: مسمى، أي بينكم فليكتب الكاتب، أن يكتب الكتاب كما علمه الله الكتابة والخط، فليكتب كتاب الذي عليه الحق ما عليه من الدين، وليتق الله ربه في املائه سفيها في الرأي أو ضعيفا في البينة، أو لا يستطيع أن يمل هو لخرس أو بكم فليملل الدين وليه على الكاتب، واستشهدوا إذا تعاملتم من رجالكم المعينين للشهادة المرضيين، فرجل مرضي وامرأتان مرضيتان من الشهداء المرضيين فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة، ولا يأب الشهداء من تحمل الشهادة أو من أدائها عند الحاكم إذا ما دعوا أي دعائهم صاحب الحق للتحمل، أو للأداء إلى أجله المضروب بينكم، ذلكم الكتاب أقسط وأقوم للشهادة المرضية أن لا ترتابوا في الشهادة تديرونها بينكم، ولا تحتاجون إلى الكتب والإشهاد فيها، وأشهدوا إذا تبايعتم شاهدين، أو رجلا وامرأتين، ولا يضار كاتب ولا شهيد أي صاحب الحق، أو: لا يضار صاحب الحق كاتبا ولا شهيدا، ثم حذف وبنى للمفعول، وأن تفعلوا الضرر، واتقوا عذاب الله، ويعلمكم الله الصواب، وإن كنتم على سبيل سفر ولم تجدوا كاتبا يتوثق بكتابته، فالوثيقة رهن أمن بعضكم بعضا، فأعطاه مالا بلا إشهاد ولا رهن أمانته من غير حيف ولا مطل، وليتق عذاب الله، ولا تكتموا الشهادة عن طالبها.
وتلوين الخطاب، وهو الانتقال من الحضور إلى الغيبة، في قوله: فاكتبوه، وليكتب، ومن الغيبة إلى الحضور في قوله: ولا يأب كاتب، وأشهدوا. ثم انتقل إلى الغيبة بقوله: ولا يضار، ثم إلى الحضور بقوله: ولا تكمتوا الشهادة، ثم إلى الغيبة بقوله: ومن يكتمها، ثم إلى الحضور بقوله: بما تعملون.
والعدول من فاعل إلى فعيل، في قوله: شهيدين، ولا يضار كاتب ولا شهيد.
والتقديم والتأخير في قوله: فليكتب، وليملل، أو الإملال، بتقديم الكتابة قبل، ومن ذلك: ممن ترضون من الشهداء، التقدير واستشهدوا ممن ترضون، ومنه وأشهدوا إذا تبايعتم.
انتهى ما لخصناه مما ذكر في هذه الآية. من أنواع الفصاحة. وفيها من التأكيد في حفظ الأموال في المعاملات ما لا يخفي: من الأمر بالكتابة للمتداينين، ومن الأمر للكاتب بالكتابة بالعدل، ومن النهي عن الامتناع من الكتابة، ومن أمره ثانيا بالكتابة، ومن الأمر لمن عليه الحق بالإملال إن أمكن، أو لوليه إن لم يمكنه، ومن الأمر بالاستشهاد، ومن الاحتياط في من يشهد وفي وصفه، ومن النهي للشهود عن الامتناع من الشهادة إذا ما دعوا إليها، ومن النهي عن الملل في كتابة الدين وإن كان حقيرا، ومن الثناء على الضبط بالكتابة، ومن الأمر بالإشهاد عند التبايع، ومن النهي للكاتب والشاهد عن ضرار من يشهد له ويكتب، ومن التنبيه على أن الضرار في مثل هذا هو فسوق، ومن الأمر بالتقوى، ومن الإذكار بنعمة التعلم، ومن التهديد بعد ذلك، ومن الاستيثاق في السفر وعدم الكاتب بالرهن المقبوض، ومن الأمر بأداء
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»