تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٣
ساكنة، وهو على غير قياس، ويمكن أن سكنها تخفيفا لكثرة توالي الحركات وجاء نظير تخفيف هذه الهمزة في قول الشاعر:
* يقولون جهلا ليس للشيخ عيل * لعمري لقد أعيلت وأن رقوب * يريد: وأنا رقوب، قيل: خفف الهمزة بإبدالها ألفا ثم همزة بعد ذلك، قالوا: الخأتم، والعأم.
وظاهر الآية يقتضي جواز شهادة المرأتين مع الرجل في سائر عقود المداينات، وهي كل عقد وقع على دين سواء كان بدلا أم بضعا، أم منافع أم دم عمد، فمن ادعى خروج شيء من العقود من الظاهر لم يسلم له ذلك إلا بدليل.
وقال الشافعي: لا تجوز شهادة النساء مع الرجال في غير الأموال، ولا يجوز في الوصية إلا الرجل، ويجوز في الوصية بالمال.
وقال الليث: تجوز شهادة النساء في الوصية والعتق، ولا تجوز في النكاح ولا الطلاق ولا قتل العمد الذي يقاد منه.
وقال الأوزاعي: لا تجوز شهادة رجل وامرأتين في نكاح. وقال الحسن بن حي: لا تجوز شهادتهن في الحدود. وقال الثوري: تجوز في كل شيء إلا الحدود.
وقال مالك لا تجوز في الحدود ولا القصاص، ولا الطلاق ولا النكاح، ولا الأنساب ولا الولاء ولا الإحصان، وتجوز في الوكالة والوصية إذا لم يكن فيها عتق. وقال الحسن، والضحاك: لا تجوز شهادتهن إلا في الدين. وقال عمر، وعطاء، والشعبي: تجوز في الطلاق. وقال شريح: تجوز في العتق، وقال عمر، وابنه عبد الله:
تجوز شهادة الرجل والمرأتين في النكاح. وقال علي تجوز في العقد. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، وعثمان البتي: لا تقبل شهادة النساء مع الرجال في الحدود والقصاص، وتقبل فيما سوى ذلك من سائر الحقوق. وأدلة هذه الأقوال مذكورة في كتب الفقه.
وأما قبول شهادتهن مفردات فلا خلاف في قبولها في: الولادة، والبكارة، والإستهلال، وفي عيوب النساء الإماء وما يجري مجرى ذلك مما هو مخصوص بالنساء. وأجاز أبو حنيفة شهادة الواحدة العدلة في رؤية الهلال إذ هو عنده من باب الإخبار، وكذلك شهادة القابلة مفردة.
* (ممن * ترضون من الشهداء) * قيل: هذا في موضع الصف لقوله: * (فرجل وامرأتان) * وقيل: هو بدل من قوله: رجالكم، على تكرير العامل، وهما ضعيفان، لأن الوصف يشعر باختصاصه بالموصوف، فيكون قد انتفى هذا الوصف عن شهيدين، ولأن البدل يؤذن بالاختصاص بالشهيدين الرجلين، فعري عنه: رجل وامرأتان، والذي يظهر أنه متعلق بقوله: واستشهدوا، أي: واستشهدوا ممن ترضون من الشهداء، ليكون قيدا في الجميع، ولذلك جاء متأخرا بعد ذكر الجميع، والخطاب في ترضون ظاهره أنه للمؤمنين، وفي ذلك دلالة على أن في الشهود من لا يرضى، فيدل على هذا على أنهم ليسوا محمولين على العدالة حيث تثبت لهم. وقال ابن بكير وغيره: الخطاب للحكام، والأول أولى لأنه الظاهر، وإن كان المتلبس بهذه القضايا هم الحكام، ولكن يجيء الخطاب عاما ويتلبس به بعض الناس، وقيل: بالخطاب لأصحاب الدين.
واختلفوا في تفسير قوله: * (ممن ترضون) * فقال ابن عباس: من أهل الفضل والدين والكفاءة. وقال الشعبي: ممن لم يطعن في فرج ولا بطن، وفسر قوله بأنه لم يقذف امرأة ولا رجلا، ولم يطعن في نسب. وروي: من لم يطعن عليه في فرج ولا بطن، ومعناه: لا ينسب إلى ريبة، ولا يقال إنه ابن زنا. وقال الحسن: من لم تعرف له خربة. وقال النخعي: من لا ريبة فيه. وقال الخصاف: من غلبت حسناته سيآته مع اجتناب الكبائر.
وقيل: المرضي من الشهود من اجتمعت فيه عشر خصال: أن يكون حرا، بالغا، مسلما، عدلا، عالما بما يشهد به،
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»