وقد تقدم قول المفسرين في طوله، ونبه على استحقاق طالوت للملك باصطفاء الله له على بني إسرائيل * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) * وبما أعطاه من السعة في العلم، وهو الوصف الذي لا شيء أشرف منه: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * أنا أعلمكم بالله ومن بسطة الجسم، فإن لذلك عظما في النفوس وهيبة وقوة، وكثيرا ما تمدحت العرب بذلك قال الشاعر:
* فجاءت به سبط العظام كأنما * عمامته بين الرجال لواء * وقال:
* بطل كأن ثيابه في سرحة * يحذى نعال السبت ليس بتوأم * وقال:
* تبين لي أن القماءة ذلة * وان أعزاء الرجال طيالها * وقالوا في المدح: طويل النجاد رفيع العماد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، إذا ماشى الطوال طالهم. قال ابن زيد: كانت هذه الزيادة بعد الملك، وقال وهب، والسدي، قبل الملك، فالمعنى: وزاده على غيره من الناس بسطة، بالسين، أبو عمرو، وابن كثير، و: بالصاد نافع، وابن كثير، رواية النقاش، وزرعان، والشموني. وزاد: لئن بصطت، وبباصط، وكباصط، ومبصوطتان، ولا تبصطها كل البصط، وأوصط، وفما اصطاعوا: ويصطون، والقصطاس، وروى نحوه: أبو نشيط عن قالون.
* (والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم) * ظاهره أنه من معمول قول النبي لهم، لما علم بغيتهم في مسائلهم ومجادلتهم في الحجج التي تبديها، أتم كلامه بالأمر القطعي، وهو أن الله هو الفاعل المختار، يفعل ما يشاء. ولما قالوا: * (ونحن أحق بالملك منه) * فكان في قولهم ادعاء الأحقية في الملك، حتى كأن الملك هو في ملكهم، أضاف الملك إلى الله في قوله: ملكا، فالملك ملكه يتصرف فيه كما أراد، فلستم بأحق فيه، لأنه ملك الله يؤتيه من يشاء، وقيل: هاتان الجملتان ليستا داخلتين في قول النبي، بل هي إخبار من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم)، فهي معترضة في هذه القصة، جاءت للتشديد والتقوية لمن يؤتيه الله الملك، أي: فإذا كان الله تعالى هو المتصرف في ملكه فلا اعتراض عليه * (لا يسأل عما يفعل) * وختم بهاتين الصفتين، إذ تقدم دعواهم أنهم أهل الملك، وأنهم الأغنياء، وأن طالوت ليس من بيت الملك، وأنه فقير فقال تعالى: إنه واسع، يوسع فضله على الفقير، عليم بمن هو أحق بالملك، فيضعه فيه ويختاره له.
وفي قصة طالوت دلالة على أن الإمامة ليست وراثة، لإنكار الله عليهم ما أنكروه من التمليك عليهم من ليس من أهل النبوة والملك، وبين أن ذلك مستحق بالعلم والقوة لا بالنسب، ودل أيضا على أنه لاحظ للنسب مع العلم، وفضائل النفس، وأنها مقدمة عليه لاختيار الله طالوت عليهم، لعلمه وقدرته، وإن كانوا أشرف منه نسبا.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة الإخبار بقصة الخارجين من ديارهم، وهم عالم لا يحصون، فرارا من الموت، إما بالقتل إذ فرض عليهم القتال، وإما بالوباء، فأماتهم الله ثم أحياهم ليعلموا أنه لا مفر مما قدره الله تعالى، وذلك لئلا نسلك ما سلكوه، فنحجم عن القتال، فأتت هذه الآية مثبتة لمن جاهد في سبيله، وذكر تعالى أنه ذو فضل على الناس، وذلك بإحيائهم والإحسان إليهم، ومع ذلك فأكثرهم لا يؤدي شكر الله. ثم أمر بالقتال في سبيل الله، وبأن نعلم أنه سميع لأقوالنا، عليم بنياتنا، ثم ذكر أن من أقرض الله فالله يضاعفه حيث يحتاج إليه، ثم ذكر أن