حال، أي: ومالنا غير مقاتلين، فيكون مثل قوله تعالى: * (مالك * لا تأمنا على يوسف) * * (ما لكم لا ترجون لله وقارا) * * (وما لكم لا تؤمنون بالله) * وكقول العرب: مالك قائما؟ وقال تعالى: * (فما لهم عن التذكرة معرضين وذهب قوم منهم ابن جرير إلى حذف الواو من: أن لا نقاتل، والتقدير: وما لنا ولأن لا نقاتل؟ قال: كما تقول: إياك أن تتكلم، بمعنى إياك وأن تتكلم، وهذا ومذهب أبي الحسن ليسا بشيء، لأن الزيادة والحذف على خلاف الأصل، ولا نذهب إليهما إلا لضرورة، ولا ضرورة تدعو هنا إلى ذلك مع صحة المعنى في عدم الزيادة والحذف، وأما: إياك أن تتكلم، فليس على حذف حرف العطف، بل: إياك، مضمن معنى إحذر. فأن تتكلم في موضع نصب كأنه قيل: احذر التكلم، وقد أخرجنا جملة حالية: أنكروا ترك القتال، وقد التبسوا بهذه الحال من إخراجهم من ديارهم وأبنائهم، والقائل هذا لم يخرج، لكنه أخرج مثله، فكان ذلك إخراجا له، ويمكن حمله على الظاهر، لأن كثيرا منهم استولي على بلادهم، وأسر أبناؤهم، فارتحلوا إلى غير بلادهم التي كان منشؤهم بها، كما مر في قصتهم.
وقرأ عبيد بن عمير: وقد أخرجنا، أي العدو، والمعنى. في: وأبنائنا، أي: من بين أبنائنا، وقيل: هو على القلب أي: وأخرج منا أبناؤنا، ويحتمل أن يكون الفاعل: بأخرجنا، على قراءة عبيد المذكور ضميرا يعود على الله، أي: وقد أخرجنا الله بعصياننا وذنوبنا، فنحن نتوب ونقاتل في سبيله ليردنا إلى أوطاننا، ويجمع بيننا وبين أبنائنا، كما تقول: ما لي لا أطيع الله وقد عاقبني على مصعيته؟ فينبغي أن أطيعه حتى لا يعاقبني، قال القشيري: أظهروا التجلد والتصلب في القتال ذبا عن أموالهم ومنازلهم حيث * (قالوا ما لنا ان لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) * فلذلك لم يتم قصدهم، لأنه لم يخلص لحق الله عزمهم، ولو أنهم قالوا: وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله، لأنه قد أمرنا، وأوجب علينا، لعلهم وفقوا لإتمام ما قصدوا.
* (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم) * هذا شأن المترف المنعم، متى كان متلبسا بالنعمة قوي عزمه وأنف، فإذا ابتلي بشيء من الخطوب.
وذل التولي: حقيقة هو عند المباشرة للحرب، ومعناه هنا: صرف عزائمهم عن ما سألوه من القتال، وانتصب: قليلا، على الاستثناء المتصل، ولا يجوز أن يكون المستثنى منهما، لو قلت: ضربت القوم إلا رجالا، لم يصح، وصح هذا لاختصاصه بأنه في نفسه صفة لموصوف، ولتقييده بقوله: منهم، ولم يبين هنا عدة هذا القليل، وبينته السنة، صح أن النبي صلى الله عليه وسلم) لما سئل عن عدة من كان معه يوم بدر قال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدة قوم طالوت)، وهؤلاء القليل ثبتوا على نياتهم السابقة، واستمرت عزائمهم على قتال أعدائهم.
وقرأ أبي: تولوا إلا أن يكون قليل منهم، وهو استثناء منقطع، لأن الكون معنى من المعاني، والمستثنى منهم جثث. وتقول العرب: قام القوم إلا أن يكون زيد، وزيدا، بالرفع والنصب، فالرفع على أن يكون تامة، والنصب على أنها ناقصة، واسمهما ضمير مستكن فيها يعود على البعض المفهوم مما قبله، التقدير: إلا أن يكون هو، أي: بعضهم زيدا، والمعنى قام القوم إلا كون زيد في القائمين، ويلزم من انتفاء كونه في القائمين أنه ليس قائما، فلا فرق من حيث المعنى بين قام القوم إلا زيدا، وبين قام القوم إلا أن يكون زيد أو زيدا.
* (والله عليم بالظالمين) * فيه وعيد وتهديد لمن تقاعد عن القتال بعد أن فرض عليه بسؤاله ورغبته، وأن الإعراض عما أوجب الله على العبد ظلم، إذا الظلم وضع الشيء في غير موضعه.
* (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) * قول النبي لهم: إن الله قد بعث، لا يكون إلا بوحي، لأنهم سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتل في سبيل الله، فأخبر ذلك النبي أن الله قد بعثه، فيحتمل أن يكون ذلك بسؤال من النبي الله أن يبعثه ويحتمل أن يكون ذلك بغير سؤاله، بل لما علم حاجتهم إليه بعثه.
وقال المفسرون: إنه سأل الله أن يبعث لهم ملكا، فأتى بعصا وقرن فيه دهن القدس وقيل: الذي يكون ملكا طوله طول هذه العصا، وقيل: للنبي. أنظر القرن فإذا دخل رجل فنش الدهن الذي هو فيه فهو ملك بني إسرائيل، فقاسوا أنفسهم بالعصا فلم يكونوا مثلها، وكان: طالوت سقاء على ماء، قاله السدي، أو: دباغا على