تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٧٠
داود: اسم أعجمي منع الصرف للعملية والعجمة، وهو هنا: أبو سليمان، على نبينا وعليهما السلام، وهو داود بن إيسا، بكسر الهمزة، ويقال داود بن إسحاق ابن إبراهيم، على نبينا وعليهم السلام.
* الدفع: الصرف: دفع يدفع دفعا، ودافع مدافعة ودفاعا.
* (وقال لهم نبيهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت) * ظاهر هذه الآية وما قبلها يدل على أنهم كانوا مقرين بنبوة هذا النبي الذي كان معهم، ألا ترى إلى قولهم: * (ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله) *.
ولكن لما أخبرهم الله: * (بأن الله * قد بعث * لهم * طالوت ملكا) * أراد أن يعلمهم بآية تدل على ملكه على سبيل التغبيط والتنبيه على هذه النعمة التي قرنها الله بملك طالوت وجعلها آية له. وقال الطبري، وحكى معناه عن ابن عباس والسدي، وابن زيد: تعنت بنو إسرائيل، وقالوا لنبيهم: وما آية ملك طالوت؟ وذلك على وجه سؤال الدلالة على صدق نبيهم في قوله: * (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) * وهذا القول أشبه من الأول بأخلاق بني إسرائيل، وتكذيبهم وتعنتهم لأنبيائهم، وقيل: خيرهم النبي في آية، فاختاروا التابوت، ولا يكون إتيان التابوت آية إلا إذا كان يقع على وجه يكون خارقا للعادة، فيكون ذلك آية على صدق الدعوى، فيحتمل أن يكون مجيئه هو المعجزة، ويحتمل أن يكون ما فيه هو المعجز، وهو سبب لاستقرار قلوبهم، واطمئنان نفوسه؛ ونسبة الاتيان إلى التابوت مجاز لأن التابوت لا يأتي، إنما يؤتى به، كقوله: * (فإذا عزم الامر) * * (فما ربحت تجارتهم) *.
وقرأ الجمهور: بالتابوت بالتاء؛ وقرأ أبي وزيد: بالهاء، وهي لغة الأنصار، وقد تقدم الكلام في هذه الهاء أهي بدل من التاء؟ أم أصل؟ قال ابن عباس، وابن السائب: كان التابوت من عود الشمشار، وهو خشب تعمل منه الأمشاط، وعليه صفائح الذهب، وقيل: كانت الصفائح مموهة بالذهب، وكان طوله ثلاثة أذرع في ذراعين، وقد كثر القصص في هذا التابوت والاختلاف في أمره، والذي يظهر أنه تابوت معروف حاله عند بني إسرائيل، كانوا قد فقدوه وهو مشتمل على ما ذكره الله تعالى مما أبهم حله، ولم ينص على تعيين ما فيه، وأن الملائكة تحمله، ونحن نلم بشيء مما قاله المفسرون والمؤرخون على سبيل الإيجاز، فذكروا: أن الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صور الأنبياء، وبيوت بعددهم، وآخره بيت محمد صلى الله عليه وسلم)، فتناقله بعد، أولاده شيث فمن بعده إلى إبراهيم، ثم كان عند إسماعيل، ثم عند ابنه قيدار، فنازعه إياه بنو عمه أولد إسحاق، وقالوا له: وقد صرفت النبوة عنكم إلا هذا النور الواحد، فامتنع عليهم، وجاء يوما يفتحه فتعسر، فناداه مناد من السماء لا يفتحه إلا نبي، فادفعه إلى ابن عمك يعقوب، فحمله على ظهره إلى كنعان، فدفعه ليعقوب، فكان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام، فوضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه، ثم توارثها أنبياء بني إبسرائيل إلى أن وصل إلى شمويل، فكان فيه ما ذكره الله في كتابه.
وقيل: اتخذ موسى التابوت ليبجمع فيه رضاض الألواح.
والسكينة: هي الطمأنينة ولما كانت حاصلة بإتيان التابوت، جعل التابوت ظرفا لها، وهذا من المجاز الحسن، وهو تشبيه المعاني بالأجرام، وجاء في حديث عمران بن حصين أنه كان يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوطة، فغشيته سحابة، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم)، فذكر ذلك له فقال: (تلك السكينة تنزلت للقرآن).
وفي حديث أسيد بن حضير، بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (تلك الملائكة كانت تسمع لذلك، ولو قرأت لأصبحت تراها الناس ما تستتر منهم). فأخبر صلى الله عليه وسلم) عن نزول السكينة مرة، ومرة عن نزول الملائكة، ودل حديث أسيد على أن نزول السكينة في حديث عمران هو على حذف مضاف، أي: تلك أصحاب السكينة، وهم الملائكة المخبر
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»