تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٧٨
داود موضع أنف جالوت، وقيل: تفتت الحجر حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه، كالقبضة التي رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم حنين.
وقال الزمخشري: كان أبو داود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه، وكان داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم، فأوحى إلى شمويل أن داود بن إيشا يقتل جالوت، فطلبه من أبيه، فجاء وقد مر في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله، وقالت له: إنك تقتل بنا جالوت، فحملها في مخلاته، ورمى بها جالوت فقتله، وزوجه طالوت بنته، وروي أنه حسده وأراد قتله، ثم تاب. إنتهى. وروي: أن داود كان من أرمى الناس بالمقلاع، وروي: أن الأحجار التأمت في المخلاة فصارت حجرا واحدا.
* (وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء) * روي أن طالوت تخلى لداود عن الملك، فصار الملك. وروي: أن بني إسرائيل غلبت طالوت على ذلك بسبب قتل داود جالوت، وروي أن طالوت أخاف داود فهرب منه، فكان في جبل إلى أن مات طالوت، فملكته بنو إسرائيل، قال الضحاك، والكلبي: ملك داود بعد قتل جالوت سبع سنين، فلم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود.
واختلف أكان داود نبيا عند قتل جالوت أم لا؟ فقيل: كان نبيا، لأن خوارق العادات لا تكون إلا من الأنبياء. وقال الحسن: لم يكن نبيا لأنه لا يجوز أن يتولى من ليس بنبي على نبي، والحكمة وضع الأمور مواضعها على الصواب، وكمال ذلك إنما يحصل بالنبوة، ولم يكن ذلك لغيره قبله، كان الملك في سبط والنبوة في سبط، فلما مات شمويل وطالوت اجتمع لداود الملك والنبوة.
وقال مقاتل: الحكمة الزبور، وقيل: العدل في السيرة؟ وقيل: الحكمة العلم والعمل به.
وقال الضحاك: هي سلسلة كانت متدلية من السماء لا يمسكها ذو عاهة إلا برئ، يتحاكم إليها، فمن كان محقا تمكن منها حتى إن رجلا كانت عنده درة لرجل، فجعلها في عكازته ودفعها إليه أن احفظها حتى أمس السلسلة، فتمكن منها لأنه ردها، فرفعت لشؤم احتياله.
وإذا كانت الحكمة كان ذكر الملك قبلها. والنبوة بعده من باب الترقي.
* (وعلمه مما يشاء) * قيل: صنعة الدروع، وقيل: منطق الطير وكلامه للنحل والنمل، وقيل: الزبور، وقيل: الصوت الطيب والألحان، قيل: ولم يعط الله. أحدا من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها، وتظله الطير مصيخة له، ويركد الماء الجاري، وتسكن الريح، وما صنعت المزامير والصنوج إلا على صوته.
وقيل: * (مما يشاء) * فعل الطاعات والأمر بها، واجتناب المعاصي. والضمير الفاعل في: يشاء عائد على داود أي: مما يشاء داود.
* (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض) * قرأ نافع، ويعقوب، وسهل: ولولا دفاع، وهو مصدر دفع، نحو: كتب كتابا أو مصدر دافع بمعنى دفع. قال أبو ذؤيب:
* ولقد حرصت بأن أدافع عنهم * فإذا المنية أقبلت لا تدفع * وقرأ الباقون: دفع، مصدر دفع، كضرب ضربا. والمدفوع بهم جنود المسلمين، والمدفوعون المشركون، ولفسدت الأرض بقتل المؤمنين وتخريب البلاد والمساجد، قال معناه ابن عباس، وجماعة من المفسرين. أو الأبدال وهم أربعون، كلما مات واحد أقام الله واحدا بدل آخر، وعند القيامة يموتوت كلهم: اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق.
وروى حديث الأبدال عن علي وأبي الدرداء، ورفعا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم). أو المذكورون في حديث: (لولا عباد ركع، وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا) أو: من يصلي ومن يزكي ومن يصوم يدفع بهم عمن لا يفعل ذلك، أو: المؤمن يدفع به عن الكافر كما يبتلى المؤمن بالكافر، قاله قتادة، أو: الرجل الصالح يدفع به عن ما به من أهل بيته وجيرانه البلاء، أو: الشهود الذين يستخرج بهم الحقوق، قاله الثوري، أو: السلطان، أو: الظالم يدفع يد الظالم، أو: داود دفع به عن طالوت
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»