بواطنهم، فاستفهم عن مقاربتهم ترك القتال إن كتب عليهم، فأنكروا أن يكون لهم داع إلى ترك القتال، فقالوا: * (وما لنا * أن لا * نقاتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) * أي هذه حال من يبادر إلى القتال، لأنه طالب ثأر، ومترج أن يكون له الظفر من الله تعالى، لأنهم علموا أن ما أصابهم إنما كان بذنوبهم، فلم أقلعوا وتابوا، ورجعوا لطوع الأنبياء، قويت آمالهم بالنصر والظفر، قيل: وكان النبي قد ظن منهم الجبن والفشل في القتال، فلذلك استفهم، وليبين أن ما ظنه وتوقعه من ذلك يكون منهم، وكان كما توقع.
وقرأ نافع: عسيتم، بكسر السين هنا وفي سورة القتال، وقرأ الباقون بفتحها.
وقد تقدم الكلام على: عسى، قال أبو علي: الأكثر فتح السين، وهو المشهور، ووجه الكسر قول العرب: هو عس بذلك، مثل: حروشج، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم، أن يقال: عسي زيد، مثل: رضي، فإن قيل: فهو القياس وإن لم يقل فسائغ أن تأخذ باللغتين وتستعمل إحداهما في موضع الأخرى، كما فعل ذلك بغيره. إنتهى. والمحفوظ عن العرب أنه لا تكسر السين إلا مع تاء المتكلم والمخاطب ونون الإناث، نحو: عسيت، وعسين، وذلك على سبيل الجواز لا الوجوب، ويفتح فيما سوى ذلك على سبيل الوجوب، ولا يسوغ الكسر نحو: عسى زيد والزيدان عسيا، والزيدون عسوا، والهندان عسيا، وعساك، وعاساني، وعساه. وقاله أبو بكر الأدفوي وغيره: إن أهل الحجاز يكسرون السين من عسى مع المضمر خاصة، وإذا قيل: عسى زيد فليس إلا الفتح، وينبغي أن يقيد المضمر بما ذكرناه. وقال أبو عبيد: لو كان عسيتم بكسر السين لقرىء: عسي ربكم وهذا جهل من أبي عبيد بهذه اللغة، ودخول: هل، على: عسيتم، دليل على أن عسى فعل خبري لا إنشائي، والمشهور أن عسى إنشاء لأنه ترج، فهي نظيرة لعل، ولذلك لا يجوز أن يقع صلة للموصول، لا يجوز أمن تقول: جاءني الذي عسى أن يحسن إلي وقد خالف في هذه المسألة هشام فأجاز وصل الموصول بها، ووقوعها خبرا لأن، دليل على أنها فعل خبري، وهو جائز. قال الراجز:
لا تلحني إني عسيت صائما إلا إن قيل: إن ذلك على إضمار القول، كما قيل في قوله:
* إن الذين قتلتم أمس سيدهم * لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما لأن: إن وأخواتها لا يجوز أن تقع خبرا لها من الجمل، إلا الجمل الخبرية، وهي التي تحتمل الصدق والكذب، هذا على الصحيح، وفي ذلك خلاف ضعيف.
* وجواب الشرط الذي هو: إن كتب عليكم القتال، محذوف للدلالة عليه، وتوسط الشرط بين أجزاء الدليل على حذفه، كما توسط في قوله: * (وإنا إن شاء الله لمهتدون ) * وخبر عسيتم: أن لا تقاتلوا، هذا على المشهور أنها تدخل على المبتدأ والخبر، فيكون: أن، زيدت في الخبر، إذ: عسى للتراخي، ومن ذهب إلى أن: عسى، يتعدى إلى مفعول، جعل: أن لا تقاتلوا، هو المفعول، و: أن، مصدرية، والواو في: ومالنا، لربط هذا الكلام بما قبله، ولو حذف لجاز أن يكون منقطعا عنه، وهو استفهام في اللفظ، وانكار في المعنى، و: أن لا نقاتل، أي: في ترك القتال، حذف الجر المتعلق بما تعلق به: لنا، الواقع خبرا لما الاستفهامية إذ هي مبتدأ، و: أن لا نقاتل، في موضع نصب، أو: في موضع جر على الخلاف الذي بين سيبويه والخليل و: ذهب أو الحسن إلى أن: أن، زائدة، وعملت النصب كما عمل باء الجر الزائد الجر، والجملة