تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٦٦
ما قاله وهب، أو مكاريا، وضاع حمار له، أو حمر لأهله، فاجتمع بالنبي ليسأله عن ما ضاع له ويدعو الله له، فبينا هو عنده نش ذلك القرن، وقاسه النبي بالعصا، فكان طولها، فقال له: قرب رأسك فقربه ودهنه بدهن القدس، وقال: أمرني الله أن أملكك على بني إسرائيل. فقال طالوت: أنا؟ قال: نعم. قال: أو ما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ قال: بلى، قال: أفما علمت أن بيتي أدنى بيوت بني إسرائيل؟ قال: بلى. قال: فبآية انك ترجع وقد وجد أبوك حمره. وكان كذلك.
وانتصب: ملكا على الحال: والظاهر أنه ملكه الله عليهم، وقال مجاهد: معناه أميرا على الجيش.
* (قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) * هذا كلام من تعنت وحاد عن أمر الله، وهي عادة بني إسرائيل، فكان ينبغي لهم إذ قال لهم النبي عن الله * (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) * أن يسلموا الأمر لله، ولا تنكره قلوبهم، ولا يتعجبوا من ذلك، ففي المقادير أسرار لا تدرك، فقالوا: كيف يملك علينا من هو دوننا. ليس من بيت الملك الذي هو سبط يهودا. ومنه داود وسليمان؟ وليس من بيت النبوة الذي هو سبط لاوي ومنه موسى وهارون؟ قال ابن السائب: وكان سبط طالوت قد عملوا ذنبا عظيما، نكحوا النساء نهارا على ظهر الطريق، فغضب الله عليهم، فنزع النبوة والملك منهم، وكانوا يسمون سبط الإثم.
وفي قولهم: * (أنى يكون له الملك علينا) * إلى آخره ما يدل على أنه مركوز في الطباع أن لا يقدم المفضول على الفاضل، واستحقار من كان غير موسع عليه، فاستبعدوا أن يتملك عليهم من هم أحق بالملك منه، وهو فقير والملك يحتاج إلى أصالة فيه، إذ يكون أعظم في النفوس، وإلى غنى يستعبد به الرجال، ويعينه على مقاصد الملك، لم يعتبروا السبب الأقوى، وهو: قضاء الله وقدره: * (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء) * واعتبروا السبب الأضعف، وهو: النسب والغنى * (رحيم يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *) وقال الله تعالى * (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) * قال الشاعر:
* وأعجب شيء إلى عاقل * فتو عن المجد مستأخره * * إذا سئلوا ما لهم من علا؟
* أشاروا إلى أعظم ناخره * و: أنى، هنا بمعنى: كيف؟ وهو منصوب على الحال، و: يكون، الظاهر أنها ناقصة، و: له، في موضع الخبر، فيتعلق بمحذوف وهو العامل في: أنى، و: علينا، متعلق: بالملك، على معنى الاستعلاء، تقول: فلان ملك على بني فلان، وقيل: علينا، حال من: الملك.
ويجوز أن تكون تامة و: له، متعلق، بيكون، أي: كيف يقع؟ أو: يحدث له الملك علينا ونحن أحق؟ جملة حالية اسمية عطف عليها جملة فعلية، وهي * (لم يؤت * سعة من المال) * والمعطوف على الحال حال، والمعنى: أن من اجتمع فيه هذان الوصفان، وجود من هو أحق منه، وفقره، لا يصلح للملك. ويعلق: بالملك، و: منه، بأحق، وتعلق: من المال، بيؤت، وفتحت سين السعة لفتحها في المضارع، إذ هو محمول عليه، وقياسها الكسر، لأنه كان أصله، يوسع، كوثق يثق، وإنما فتح عين طالمضارع لكون لامه حرف حلق، فهذه فتحة أصلها الكسر، ولذلك حذفت الواو، لوقوعها في يسع بين ياء وكسرة، لكن فتح لما ذكرناه، ولو كان أصلها الفتح لم يجز حذف الواو، ألا ترى ثبوتها في يوجل؟ لأنها لم تقع بين كسرة وياء، فالمصدر والأمر في الحذف محمولان على المضارع، كما حملوا: عدة وعد على يعد.
* (قال إن الله اصطفاه عليكم) * أي: اختاره صفوة، إذ هو أعلم تعالى بالمصالح، فلا تعترضوا على الله.
* (وزاده بسطة في العلم والجسم) * قيل: في العلم بالحروب، والظاهر علم الديانات والشرائع، وقيل: قد أوحي إليه ونبيء، وأما البسطة في الجسم فقيل: أريد بذلك معاني: الخير، والشجاعة، وقهر الأعداء، والظاهر أنه: الامتداد، والسعة في الجسم.
قال ابن عباس: كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل، وأجمله وأتمه،
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»