* (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) * لأن في هذا إشعارا بلقاء العدو، ثم ما جاء بين هاتين الآيتين جاء كالاعتراض، فقوله: * (وللمطلقات متاع بالمعروف * في الدنيا والاخرة وما لهم من ناصرين * ألم تر إلى الذين) * اعتبار بمن مضى ممن فر من الموت، فمات، أن لا ننكص ولا نحجم عن القتال، وبيان المقاتل فيه، وأنه سبيل الله فيه حث عظيم على القتال، إذ كان الإنسان يقاتل للحمية، ولنيل عرض من الدنيا، والقتال في سبيل الله مورث للعز الأبدي والفوز السرمدي.
* (واعلموا أن الله سميع عليم) * يسمع ما يقوله المتخلفون عن القتال والمتبادرون إليه، ويعلم ما انطوت عليه النيات، فيجازي على ذلك.
* (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) * هذا على سبيل التأسيس والتقريب للناس بما يفهمونه والله هو الغني الحميد، شبه تعالى عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض، كما شبه بذل النفوس والأموال في الجنة بالبيع والشراء.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما أمر بالقتال في سبيل الله، وكان ذلك مما يفضي إلى بذل النفوس والأموال في إعزاز دين الله، أثنى على من بذل شيئا من ماله في طاعة الله، وكان هذا أقل حرجا على المؤمنين، إذ ليس فيه إلا بذل المال دون النفس، فأتى بهذه الجملة الإستفهامية المتضمنة معنى الطلب.
قال ابن المغربي: انقسم الخلق حين سمعوا هذه الآية إلى فرق ثلاثة.
الأولى: اليهود، قالوا: إن رب محمد يحتاج إلينا ونحن أغنياء، وهذه جهالة عظيمة، ورد عليهم بقوله: * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) *.
والثانية: آثرت الشح والبخل، وقدمت الرغبة في المال.
الثالثة: بادرت إلى الامتثال، كفعل أبي الدحداح وغيره. انتهى.
و: من، استفهامية في موضع رفع على الابتداء، وخبره: ذا، و: الذي، نعت: لذا، أو: بدل منه، ومنع أبو البقاء أن تكون: من، وذا، بمنزلة اسم واحد، كما كانت: ما، مع: ذا، قال: لأن: ما، أشد إبهاما من: من، إذا كانت: من، لمن يعقل. وأصحابنا يجيزون تركيب: من، مع: ذا، في الاستفهام وتصيرهما كاسم واحد، كما يجيزون ذلك في: ما، و: ذا، فيجيزون في: من ذا عندك، أن يكون: من وذا، بمنزلة اسم الاستفهام.
وانتصب لفظ الجلالة: بيقرض، وهو على حذف مضاف أي: عباد الله المحاويج، أسند الاستقراض إلى الله وهو المنزه عن الحاجات، ترغيبا في الصدقة، كما أضاف الإحسان إلى المريض والجائع والعطشان إلى نفسه تعالى في قوله، جل وعلا: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني). الحديث خرجه مسلم، والبخاري.
وانتصب: قرضا، على المصدر الجاري على غير الصدر، فكأنه قيل: إقراضا، أو على أنه مفعول به، فيكون بمعنى: مقروض، أي: قطعة من المال، كالخلق بمعنى المخلوق.
وانتصب: حسنا، على أن يكون صفة لقوله: قرضا، وهو الظاهر، أو على أن يكون نعتا لمصدر محذوف إذا أعربنا قرضا مفعولا به، أي: إقراضا حسنا، ووصفه بالحسن لكونه طيب النية خالصا لله، قاله ابن المبارك. أو: لكونه يحتسب عند الله ثوابه، أو: لكونه جيدا كثيرا، أو: لكونه بلا من ولا أذى، قاله عمرو بن عثمان، أو: لكونه لا يطلب به عوضا، قاله سهيل بن عبد الله القشيري التستري.
وقرأ ابن كثير، وابن عامر: فيضعفه، بالتشديد من ضعف، والباقون: فيضاعفه، من ضاعف، وقد تقدم أنهما بمعنى. وقيل: معناهما مختلف، وقد ذكرنا ذلك عند الكلام على المفردات.
وقرأ ابن عامر، وعاصم، بنصب الفاء، والباقون بالرفع على العطف على صلة الذي، وهو قوله: يقرض، أو على الاستئناف، أي: فهو يضاعفه، والأول أحسن، لأنه لا حذف فيه، والنصب على أن يكون جوابا للاستفهام على المعنى، لأن الاستفهام، وإن كان عن المقرض، فهو عن الإقراض في المعنى فكأنه قيل: أيقرض الله أحد فيضاعفه؟ وقال أبو علي: الرفع أحسن، وذهب بعض النحويين إلى أنه: إذا كان الاستفهام عن المسند إليه الحكم، لا عن الحكم، فلا يجوز النصب بإضمار أن بعد الفاء في الجواب، فهو محجوج بهذه القراءة المتواترة، وقد جاء في الحديث: (من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له). وكذلك سائر أدوات الاستفهام الإسمية والحرفية.
وانتصب: أضعافا، على الحال من الهاء في: يضاعفه، قيل: ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول به، تضمن معنى فيضاعفه: فيصيره. ويجوز أن ينتصب على المصدر باعتبار أن يطلق الضعف، وهو المضاعف أو المضعف، بمعنى المضاعفة أو التضعيف، كما أطلق العطاء وهو اسم