تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٢١٧
* يهدى بها أكلف الخدين مختبر * من الجمال كثير اللحم عيثوم * الوارث: معروف يقال منه: ورث يرث بكسر الراء، وقياسها في المضارع الفتح، ويقال: أرث وورث، ويقال: الإرث كما يقال ألده في ولده، والأصل الواو.
الفصال: مصدر فصل فصلا وفصالا، وجمع فصيل، وهو المفطوم عن ثدي أمه، وفصل بين الخصمين فرق فانفصلا، وفصلت العير خرجت، والمعنى فارقت مكانها، وفصيلة الرجل أقرب الناس إليه، والفصيلة قطعة من لحم الفخذ، والتفصيل بمعنى التبيين، * (مفصلات فاستكبروا) * وتفصيل كل شيء تبيينه، وهو راجع لمعنى تفريق حكم من حكم، فيحصل به البيين، ومدار هذه اللفظة على التفرقة والتبعيد.
التشاور: في اللغة هو استخراج الرأي، من قولهم: شرت العسل أشوره إذا اجتنيته، والشورة والمشورة، وبضم العين وتنقل الحركة، كالمعونة قال حاتم:
* وليس على ناري حجاب أكفها * لمقتبس ليلا ولكن أشيرها * وقال أبو زيد: شرت الدابة وشورتها أجريتها لاستخراج جريها، وكان مدار الكلمة على الإظهار، فكأن كل واحد من المشاورين أظهر ما في قلبه للآخر، ومنه الشوار، وهو متاع البيت لظهوره للمناظر، وشارة الرجل هيئته لأنها تظهر من زيه، وتبتدىء من زينته، وأو رد بعضهم عند ذكر المادة هذه الإشارة فقال: والإشارة هي إخراج ما في نفسك وإظهار للمخاطب بالنطق وغيره. إنتهى. فإن كان هذا أراد أنهما يتقاربان من حيث المعنى فصحيح، وإن أراد أنهما مشتركان في المادة فليس بصحيح، وقد جرت هذه المسألة بين الأمير بن أغلب متولي أفريقية وبعض العلماء من أهل بلده، كيف يقال إذا أشاروا إلى الهلال عند طلوعه؟ وبنوا من الإشارة تفاعلنا، فقال ابن الأغلب: تشاورنا، وقال ذلك العالم تشايرنا، وسألوا قتيبة صاحب الكسائي، وكان قد أقدم ابن الأغلب من العراق إلى إفريقية لتعليم أولاده، فقال له: كيف تبني من الإشارة: تفاعلنا؟ فقال: تشايرنا. وأنشد للعرب بيتا شاهدا على ذلك عجزه.
فيا حبذا يا عز ذاك التشاير فدل ذلك على اختلاف المادتين من ذوات الياء، والمادة الأخرى من ذوات الواو.
* (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) * نزلت في ثابت بن بشار، ويقال أسنان الأنصاري، طلق امرأته حتى إذا بقي من عدتها يومان أو ثلاثة، وكادت أن تبين راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها حتى مضت سبعة أشهر مضارة لها، ولم يكن الطلاق يومئذ محصورا.
والخطاب في: طلقتم ظاهره أنه للأزواج، وقيل: لثابت بن يسار، خوطب الواحد بلفظ الجمع للاشتراك في الحكم وأبعد من قال: إن الخطاب للأولياء لقوله: * (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) * ونسبة الطلاق والإمساك والتسريح للأولياء بعيد جدا.
فبلغن أي: قاربن انقضاء العدة والأجل، هو الذي ضربه الله للمعتدات من الأقراء، والأشهر، ووضع الحمل. وأضاف الأجل إليهم لأنه أمس بهن، ولهذا قيل: الطلاق للرجال والعدة للنساء، ولا يحمل: بلغن أجلهن على الحقيقة، لأن الإمساك إذ ذاك ليس له، لأنها ليست بزوجة، إذ قد تقضت عدتها فلا سبيل له عليها.
* (فأمسكوهن بمعروف) * أي راجعوهن قبل انقضاء العدة، وفسر المعروف بالإشهاد على الرجعة، وقيل: بما يجب لها من حق عليه، قاله بعض العلماء، وهو قول عمر، وعلي، وأبي هريرة، وابن المسيب،
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»