التوسعة عليكم من جهة الله لما فيها من الحكمة، وهي استدارجكم بالنعمة، ولو كانت كرامة لكان أولياؤه المؤمنون أحق بها منكم، انتهى كلامه.
ولم يذكر غيره في معنى هذه الجملة.
وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى: والله يرزق هؤلاء الكفرة في الدنيا، فلا تستعظموا ذلك، ولا تقيسوا عليه الآخرة، فإن الرزق ليس على قدر الكفر والإيمان، بل يحسب لهذا عمله وهذا عمله، فيرزقان بحساب ذلك، بل الرزق بغير حساب الأعمال، والأعمال مجازاتها محاسبة ومعادة، إذ أجزاء الجزاء تقابل أجزاء الفعل المجازى عليه، فالمعنى: إن المؤمن وإن لم يرزق في الدنيا، فهو فوق الكافر يوم القيامة. إنتهى كلامه. والذي يظهر عدم تخصيص الرزق بإحدى الطائفتين، بل لما ذكر حاليهما من سخرية الكفار بهم في الدنيا، بسبب ما رزقوا: من التمكن فيها، والرياسة، والبسط، وتعالي المؤمنين عليهم في الآخرة. بسبب ما رزقوا من: الفوز، والتفرد بالنعيم السرمدي، بين أن ما يفعله من ذلك ويرزقه إياه إنما هو راجع لمشيئته السابقة، وأنه لا يحاسبه أحد، ولا يحاسب نفسه على ما يعطي، لأن ذلك لا يكون إلا لمن يخاف نفاذ ما عنده.
وقالوا في الحديث الصحيح: (يمين الله ملآى لا ينقصها شيء ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإن ذلك لم ينقص شيئا مما عنده.
ومفعول يشاء محذوف، التقدير: من يشاء أن يرزقه، دل عليه ما قبله، وبغير حساب تقدمه ثلاثة أشياء يصلح تعلقه بها: الفعل، والفاعل، والمفعول الأول وهو: من فإن كان للفعل فهو من صفات المصدر، وإن كان للفاعل فهو من صفاته، أو للمفعول فهو من صفاته، فإذا كان للفعل كان المعنى: يرزق من يشاء رزقا غير حساب، أي: غير ذي حساب، ويعني بالحساب: العد، فهو لا يحصي ولا يحصر من كثرته، أو يعني به المحاسبة في الآخرة، أي: رزقا لا يقع عليه حساب في الآخرة، وتكون على هذا الباء زائدة.
وإذا كان للفاعل كان في موضع الحال: المعنى يرزق الله غير محاسب عليه، أي متفضلا في إعطائه لا يحاسب عليه، أو غير عاد عليه ما يعطيه، ويكون ذلك مجازا عن التقتير والتضييق، فيكون: حساب مصدرا عبر به عن اسم الفاعل من: حاسب، أو عن اسم الفاعل من: حسب، وتكون الباء زائدة في الحال، وقد قيل: إن الباء زيدت في الحال المنفية، وهذه الحال لم يتقدمها نفي، ومما قيل: إنها زيدت في الحال المنفية قول الشاعر:
* فما رجعت بخائبة ركاب * أي: فلما رجعت خائبة، ويحتمل في هذا الوجه أن يكون حساب مصدرا عبر به عن اسم المفعول، أي: غير محاسب على ما يعطي تعالى، أي: لا أحد يحاسب الله تعالى ما منح، فعطاؤه غمرا لا نهاية له.
وإذا كان: لمن، وهو المفعول الأول ليرزق، فالمعنى: إن المرزوق غير محاسب على ما يرزقه الله تعالى، فيكون أيضا حالا منه، ويقع الحساب الذي هو المصدر على المفعول الذي هو محاسب من حاسب، أو المفعول من حسب، أي: غير معدود عليه ما رزق، أو على حذف مضاف أي: غير ذي حساب، ويعني بالحساب: المحاسبة أو العد، والباء زائدة في هذه الحال أيضا. ويحتمل في هذا الوجه أن يكون المعنى: أنه يرزق من حيث لا يحتسب، أي: من حيث لا يظن، ولا يقدر أن يأتيه الرزق، كما قال: * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * فيكون حالا أيضا أي: غير محتسب، وهذه الأوجه كلها متكلفة، وفيها زيادة الباء.
والأولى أن تكون الباء للمصاحبة، وهي التي يعبر عنها بباء الحال، وعلى هذا يصلح أن تكون: للمصدر، وللفاعل، وللمفعول، ويكون الحساب مرادا به المحاسبة، أو العد، أي: يرزق من يشاء ولا حساب على الرزق، أو: ولا حساب للرازق، أو ولا حساب على المرزوق.
وكون الباء لها معنى أولى من كونها زائدة، وكون المصدر باقيا على المصدرية أولى من كونه مجازا عن اسم فاعل أو أسم مفعول وكونه مضافا لغير أولى من جعله مضافا لذي محذوفة، ولا تعارض بين قوله: * (جزاء من ربك عطاء حسابا) * أي: محسبا أي: كافيا من: أحسبني كذا، إذا كفاك، وبغير حساب معناه العد، أو المحاسبة، أو لاختلاف