وذلك لفقرهم، أو: ولا تباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، أو: لاتهامهم إياهم أنهم مصدقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، أو لضعفهم وقلة عددهم؛ أقوال أربعة.
وهذه الجملة الفعلية معطوفة على الجملة الفعلية من قوله: زين، ولا يلحظ فيها عطف الفعل على الفعل، لأنه كان يلزم اتحاد الزمان، وإن لم يلزم اتحاد الصيغة، وصدرت الأولى بالفعل الماضي لأنه أمر مفروغ منه، وهو تركيب طباعهم على محبة الدنيا، فليس أمرا متجددا، وصدرت الثانية بالمضارع، لأنها حالة تتجدد كل وقت وقيل: هو على الاستئناف أي: الفعل المضارع، ومعنى الاستئناف أن يكون على إضمارهم التقدير: وهم يسخرون، فيكون خبر مبتدأ محذوف، ويصير من عطف الجملة الإسمية على الجملة الفعلية.
* (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) * فوق: ظرف مكان، فقيل: هو على حاله من الظرفية المكانية حقيقة، لأن المؤمنين في عليين في السماء، والكفار في سجين في الأرض وقيل: الفوقية، مجاز إما بالنسبة إلى النعيمين: نعيم المؤمنين في الجنة، ونعيم الكافرين في الدنيا، وإما بالنسبة إلى حجج المؤمنين، وشبه الكفار لثبوت الحجج وتلاشى الشبه، وإما بالنسبة إلى ما زعم الكفار من قولهم إن كان لنا معاد فلنا فيه الحظ، وإما بالنسبة إلى سخرية المؤمنين بهم في الآخرة، وسخرية الكافرين بالمؤمنين في الدنيا، فهم عالون عليهم، متطاولون، يضحكون منهم، كما كان أولئك في الدنيا يتطاولون على المؤمنين ويضحكون منهم، وإما بالنسبة إلى علو حالهم، لأنهم في كرامة، والكفار في هوان.
وجاءت هذه الجملة مصدرة بقوله * (والذين اتقوا) * ليظهر أن السعادة الكبرى لا تحصل إلا للمؤمن المتقي، ولتبعث المؤمن على التقوى، وليزول قلق التكرار لو كان: والذين آمنوا، لأن قبله: الذين أمنوا، وانتصاب: يوم القيامة، على الظرف، والعامل فيه هو العامل في الظرف الواقع خبرا، أي: كائنون هم يوم القيامة، ولما فهموا من فوق أنها تقتضي التفضيل بين من يخبر بها عنه، وبين من تضاف هي إليه، كقولك: زيد فوق عمرو في المنزل، حتى كأنه قيل: زيد أعلى من عمرو في المنزلة، احتاجوا إلى تأويل عال وأعلى منه، قال ابن عطية: وهذا كله من التحميلات، حفظ لمذهب سيبوية، والخليل، في أن التفضيل إنما يجيء فيما فيه شركة، والكوفيون يجيزونه حيث لا اشتراك. إنتهى كلامه.
وهذا الذي حكاه عن سيبويه والخليل لا نعلمه، وإنما الذي وقع فيه الخلاف هو أفعل التفضيل، فالبصريون يمنعون: زيد أحسن إخوته، والكوفيون يجيزونه، وأما أن ذلك في: فوق، فلا نعلمه، لكنه لما توهم أنها مرادفة لأعلى، وأعلى أفعل تفضيل، نقل الخلاف إليها، والذي نقوله: إن فوق لا تقتضي التشريك في التفضيل، وإنما تدل على مطلق العلو، فإذا أضيفت فلا يلزم أن يكون ما أضيفت إليه فيه علو، وكما أن تحت مقابلتها لا تدل على تشريك في السفلية، وإنما هي تدل على مطلقها، ولا نقول: إنها مرادفة لأسفل، لأن أسفل أفعل تفضيل يدلك على ذلك استعمالها بمن، كقوله: الركب أسفل منكم، كما أن أعلى كذلك، فإذا تقرر هذا كان المعنى، والله أعلم، والذين اتقوا عالوهم يوم القيامة، ولا يدل ذلك على أن الكفار في علو، بل المعنى أن العلو يوم القيامة إنما هو للمتقين، وغيرهم سافلون، عكس حالهما في الدنيا حيث كانوا يسخرون منهم.
* (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * اتصال هذه الجملة بما قبلها من تفضيل المتقين يوم القيامة يدل على تعلقها بهم، فقيل: هذا الرزق في الآخرة، وهو ما يعطى المؤمن فيها من الثواب، ويكون معنى قوله: بغير حساب، أي بغير نهاية، لأن ما لا يتناهى خارج عن الحساب، أو يكون المعنى: أن بعضها ثواب وبعضها تفضيل محض، فهو بغير حساب، وقيل: هذا الرزق في الدنيا، وهو إشارة إلى تملك المؤمنين المستهزأ بهم أموال بني قريظة والنضير، يصير إليهم بلا حساب، بل ينالونها بأسهل شيء وأيسره، قاله ابن عباس، وقال نحوه القفال، قال: قد فعل ذلك بهم بما أفاء عليهم من أموال صناديد قريش، ورؤساء اليهود، وبما فتح بعد وفاته على أيدي أصحابه.
وقالوا ما معناه: إنها متصلة بالكفار، وقال الزمخشري يعني: أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه، كما وسع على قارون وغيره، فهذه