جنتك وباعدتنا من نارك؟ فيقول: ولكم عندي أفضل من ذلك، فيقولون: يا ربنا، وما أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم بعده.
* (والله رءوف بالعباد) * حيث كلفهم بالجهاد فعرضهم لثواب الشهداء، قاله الزمخشري؛ وقال ابن عطية: ترجئة تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية، كما في قوله: * (فحسبه جهنم) * تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم، وتقدم أن الرأفة أبلغ من الرحمة.
والعباد إن كان عاما، فرأفته بالكافرين إمهالهم إلى انقضاء آجالهم، وتيسير أرزاقهم لهم، ورأفته بالمؤمنين تهيئته إياهم لطاعته، ورفع درجاتهم في الجنة. وإن كان خاصا، وهو الأظهر، لأنه لما ختم الآية بالوعيد من قوله: * (فحسبه جهنم) * وكان ذلك خاصا بأولئك الكفار، ختم هذه بالوعد المبشر لهم بحسن الثواب، وجزيل المآب، ودل على ذلك بالرأفة التي هي سبب لذلك، فصار ذلك كناية عن إحسان الله إليهم، لأن رأفته بهم تستدعي جميع أنواع الإحسان، ولو ذكر أي نوع من الإحسان لم يفد ما أفاده لفظ الرأفة، ولذلك كانت الكناية أبلغ، ويكون إذ ذاك في لفظ: العباد، التفاتا، إذ هو خروج من ضمير غائب مفرد إلى اسم ظاهر، فلو جرى على نظم الكلام السابق لكان: والله رؤوف به أو بهم، وحسن الالتفات هنا بهذا الاسم الظاهر شيئان، أحدهما: أن لفظ: العباد، له في استعمال القرآن تشريف واختصاص، كقوله: * (إن عبادى ليس لك عليهم سلطان) * * (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا) * * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * * (بل عباد مكرمون) *.
والثاني: مجيء اللفظة فاصلة، لأن قبله: * (والله لا يحب الفساد * فحسبه جهنم ولبئس المهاد) * فناسب: * (والله رءوف بالعباد) *.
وفي هذه الآية، والتي قبلها من علم البديع: وقد ذكرنا مناسبة هذا التقسيم للتقسيم السابق قبله في قوله: * (فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا) * قال بعض الناس: في هذه الآيات نوع من البديع، وهو التقديم والتأخير، وهو من ضروب البيان في النثر والنظم دليل على قوة الملكة في ضروب من الكلام، وذلك قوله: * (واذكروا الله فى أيام معدودات) * متقدم على قوله: * (فمن الناس من يقول) * لأن قوله: * (واذكروا الله فى أيام معدودات) * معطوف عليه، قوله: * (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) * وقوله: * (فمن الناس من يقول) * معطوف على قوله: * (ومنهم من يقول) * وقوله: * (ومنهم من يقول) * معطوف على قوله: * (ومن الناس من يعجبك) * وعلى قوله: * (ومن الناس من يشرى) * فيصير الكلام معطوفا على الذكر لأنه مناسب لما قبله من المعنى، ويصير التقسيم معطوفا بعضه على بعض، لأن التقسيم الأول في معنى الثاني، فيتحد المعنى ويتسق اللفظ، ثم قال: ومثل هذا، قد ذكر قصة البقرة، وقتل النفس، وقصة المتوفى عنها زوجها، في الآيتين، قال: ومثل هذا في القرآن كثير، يعني: التقديم والتأخير، ولا يذهب إلى ما ذكره، ولا تقديم ولا تأخير في القرآن، لأن التقديم والتأخير عندنا من باب الضرورات، وتنزه كتاب الله تعالى عنه.
* (بالعباد يأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة) * نزلت في عبد الله بن سلام ومن أسلم معه، كانوا يتقون السبت، ولحم الحمل، وأشياء تتقيها أهل الكتاب، قاله عكرمة، ورواه أبو صالح عن ابن عباس، أو: في أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم)، قاله الضحاك. وروي عن ابن عباس: أو في المسلمين يأمرهم بالدخول في شرائع الإسلام، قاله مجاهد، وقتادة. أو: في المنافقين، واحتج لهذا بورودها