حسبما وقعت على لسان من لم يدارس الكتب ولا العلماء، ولا كتب ولا ارتجل، أو معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم): كتسبيح الحصى، وتفجير الماء من بين أصابعه، وانشقاق القمر، وتسليم الحجر، أربعة أقوال، وقدروا بعد قوله: من آية بينة، محذوفا، فقدره بعضهم: فكذبوا بها، وبعضهم: فبدلوها.
* (ومن يبدل نعمة الله) * نعمة الله: الحجج الواضحة الدالة على أمره: صلى الله عليه وسلم) يبدل بها التشبيه والتأويلات، أو ما ورد في كتاب الله من نعته. صلى الله عليه وسلم)، يبدل به نعت الدجال، أو الاعتراف بنبوته يبدل لها الحجد لها، أو كتب الله المنزلة على موسى وعيسى على نبينا وعليهم السلام يبدل بها غير أحكامها كآية الرجم وشبهها، أو الإسلام. قاله الطبري؛ أو شكر النعمة يبدل بها الكفر أو آياته وهي أجل نعمة من الله، لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة، وتبديلهم إياها، أن الله أظهرها لتكون أسباب هداهم، فجعلوها أسباب ضلالتهم، كقوله: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * قاله الزمخشري: سبعة أقوال.
ولفظ: من يبدل، عام وهو شرط، فيندرج فيه مع بني إسرائيل كل مبدل نعمه: ككفار قريش وغيرهم، فإن بعثه محمد صلى الله عليه وسلم) نعمة عليهم، وقد بدلوا بالشكر عليها وقبولها الكفر.
* (من بعد ما جاءته) * أي: من بعدما أسديت إليه، وتمكن من قبولها، ومن بعدما عرفها كقوله: * (ثم يحرفونه من * بعدما * عقلوه) * وأتى بلفظ: من، إشعارا بابتداء الغاية، وأنه يعقب: ما جاءته، يبدله. وفي قوله: * (من بعد ما جاءته) * تأكيد، لأن إمكانية التبديل منه متوقفة على الوصول إليه.
وقرئ: ومن. يبدل بالتخفيف، و. يبدل، يحتاج لمفعولين: مبدل ومبدل له، فالمبدل هو الذي يتعدى إليه الفعل بحرف جر، والبدل هو الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه، ويجوز حذف حرف الجر لفهم المعنى، وتقدم الكلام على هذا في قوله: * (فبدل الذين ظلموا) * وإذا تقرر هذا، فالمفعول الواحد هنا محذوف، وهو البدل، والأجود أن يقدر مثل ما لفظ به في قوله: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا) *: فكفرا هو البدل، ونعمة الله، هو المبدل، وهو الذي أصله: أن يتعدى إليه الفعل بحرف الجر، فالتقدير إذن: ومن يبدل نعمة الله كفرا، وجاز حذف المفعول الواحد وحرف الجر لفهم المعنى، ولترتيب جواب الشرط على ما قبله فإنه يدل على ذلك، لأنه لا يترتب على تقدير: أن يكون النعمة هي البدل، والكفر هو المبدل أن يجاب بقوله: * (فإن الله شديد العقاب) * خبر يتضمن الوعيد، ومن حذف حرف الجر الدلالة المعنى قوله: * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * أي: بسيئاتهم، ولا يصح أن يكون التقدير: سيئاتهم بحسنات، فتكون السيئات هي البدل، والحسنات هي المبدل، لأن ذلك لا يترتب على قوله: * (إلا من تاب وءامن وعمل صالحا) * * (فإن الله شديد العقاب) * خبر يتضمن الوعيد بالعقاب على من بدل نعمة الله، فإن كان جواب الشرط فلا بد من تقدير عائد في الجملة على اسم الشرط، تقديره: فان الله شديد العقاب له، أو تكون الألف واللام معاقبة للضمير على مذهب الكوفيين، فيغنى عن الربط لقيامها مقام الضمير، وألاولى أن يكون الجواب محذوفا لدلالة ما بعده عليه، التقدير: يعاقبه.
قال عبد القاهر في كتاب (دلائل الإعجار): ترك هذا الإضمار أولى، يعنى بالإضمار شديد العقاب له، لأن المقصود من الآية التخويف لكونه في ذلك موصوفا بأنه شديد العقاب، من غير التفات إلى كونه شديد العقاب. لهذا، ولذلك سمى العذاب عقابا، لأنه يعقب الجرم.
وذكر بعض من جمع في التفسير: أن هذه الآية: * (سل بنى إسراءيل) * مؤخرة في التلاوة، مقدمة في المعنى، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم)، قال: والتقدير: فإن زللتم إلى آخر الآية: سل يا محمد بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة فما اعتبروا ولا أذعنوا إليها، هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله؟ أي: أنهم لا يؤمنون حتى يأتيهم الله. انتهى.
ولا حاجة إلى ادعاء التقديم والتأخير، بل هذه الأية على ترتبها أخذ بعضها بعنق بعض، متلاحمة