تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٢٨
ذكر ما ذكر من تعيين من عين إنما هو على نحو من ضرب المثال، ولا يبعد أن يكون السبب خاصا، والمراد عموم اللفظ، ولما طال الفصل هنا بين القسم الأول والقسم الثاني، أتى في التقسيم الثاني بإظهار المقسم منه، فقال: * (ومن الناس من يشرى) * بخلاف قوله: * (ومنهم من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة) * فإنه لما قرب ذكر أحد القسمين من القسم، أضمر في الثاني المقسم.
ومعنى يشري: يبيع، وهو سائغ في اللسان، قال تعالى: * (وشروه بثمن بخس دراهم) * قال الشاعر:
* وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامة * ويشري: عبارة عن أن يبذل نفسه في الله، ومنه تسمى الشراة، وكأنهم باعوا أنفسهم من الله، وقال قوم: شرى، بمعنى: اشترى، فإن كانت الآية في صهيب فهذا موجود فيه حيث اشترى نفسه بماله ولم يبعها.
وانتصاب: ابتغاء، على أنه مفعول من أجله، أي الحامل لهم على بيع أنفسهم، إنما هو طلب رضى الله تعالى، وهو مستوف لشروط المفعول من أجله من كونه مصدرا متحد الفاعل والوقت، وهذه الإضافة، أعنى: إضافة المفعول من أجله، هي محضة، خلافا للجرمي، والرياشي، والمبرد، وبعض المتأخرين، فإنهم يزعمون أنها إضافة غير محضة، وهذا مذكور في كتب النحو.
ومرضاة: مصدر بني على التاء: كمدعاة، والقياس تجريده عنها، كما تقول: مرمى ومغزى، وأمال الكسائي: مرضات، وعن ورش خلاف في إمالة: مرضات، وقرأنا له بالوجهين، ووقف حمزة عليها بالتاء، ووقف الباقون بالهاء. فأما وقف حمزة بالتاء فيحتمل وجهين.
أحدهما: أن يكون على مذهب من يقف من العرب على: طلحة، وحمزة، بالتاء، كالوصل، وهو كان القياس دون الإبدال. قال:
* دار السلمى بعد حول قد عفت * بل حوز تيهاء كظهر الحجفت * وقد حكى هذه اللغة سيبويه.
والوجه الآخر: أن تكون على نية الإضافة، كأنه نوى تقدير المضاف إليه، فأراد أن يعلم أن الكلمة مضافة، وأن المضاف إليه مراد: كإشمام من أشم الحرف المضموم في الوقف ليعلم أن الضمة مرادة، وفي قوله: * (ابتغاء مرضات الله) * إشارة إلى حصول أفضل ما عند الله للشهداء، وهو رضاه تعالى.
وفي الحديث الصحيح، في مجاورة أهل الجنة ربهم تعالى، حين يسألهم: هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا كيف لا ترضى وقد أدخلتنا
(١٢٨)
مفاتيح البحث: البيع (2)، الضرب (1)، السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»