الوجه الأول من قوله: بأن دخلوا في الطاعات. كلها، فلا حاجة إلى هذا الترديد بأو.
وقال ابن عطية: وقالت فرقة: جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم)، والمعنى: أمرهم بالثبوت فيه، والزيادة من التزام حدوده. وتستغرق: كافة، حينئذ المؤمنين وجميع أجزاء الشرع، فيكون الحال من شيئين، وذلك جائز نحو قوله تعالى: * (فأتت به قومها تحمله) * إلى غير ذلك من الأمثلة.
ثم قال بعد كلام ذكره: وكافة، معناه: جميعا. والمراد بالكافة الجماعة التي تكف مخالفيها. انتهى كلامه.
وقوله: فيكون الحال من شيئين، يعني: من الفاعل في ادخلوا، ومن السلم، وهذا الذي ذكره محتمل، ولكن الأظهر أنه حال من ضمير الفاعل، وذلك جائز، يعني: مجيء الحال الواحدة من شيئين، وفي ذلك تفصيل ذكر في النحو.
وقوله: نحو قوله: * (فأتت به قومها تحمله) * يعني أن تحمله حال من الفاعل المستكن في أتت، ومن الضمير المجرور بالباء، هذا المثال ليس بمطابق: للحال من شيئين، لأن لفظ: تحمله، لا يحتمل شيئين، ولا يقع الحال من شيئين إلا إذا كان اللفظ يحتملهما، واعتبار ذلك بجعل ذوي الحال مبتدأين، والإخبار بتلك الحال عنهما، فمتى صح ذلك صحت الحال، ومتى امتنع امتنعت. مثال ذلك قوله:
* وعلقت سلمى وهي ذات موصد * ولم يبد للأتراب من ثديها حجم * * صغيرين نرعى البهم يا ليت * أنناإلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم * فصغيرين: حال من الضمير في علقت، ومن سلمى، لأنه يصلح أن يقول أنا وسلمى صغيران نرعى البهم، ومثله:
خرجت بها نمشي تجر وراءنا فنمشي حال من التاء في: خرجت، ومن الضمير المجرور في بها، ويصلح أن تقول: أنا وهي نمشي، وهنا لا يصلح أن تكون تحمله خبرا عنهما، لو قلت: هي وهو تحمله لم يصح أن يكون تحمله خبرا، نحو قوله: هند وزيد تكرمه، لأن تحمله وتكرمه لا يصح أن يقدر إلا بمفرد، فيمتنع أن يكون حالا من ذوي حال، ولذلك أعرب المعربون في:
خرجت بها نمشي تجر وراءنا نمشي: حالا منهما، وتجر حالا من ضمير المؤنث خاصة، لأنه لو قيل: أنا وهي تجر وراءنا لم يجز أن يكون تجر خبرا عنها، لأن تجر وتحمل إنما يتقدران بمفرد، أي حاملة وجارة، وإذا صرحت بهذا المفرد لم يمكن أن يكون حالا منهما.
و * (كافة) * لدلالته على معنى: جميع، يصلح أن يكون حالا من الفاعل في: ادخلوا، ومن السلم، بمعنى شرائع الإسلام، لأنك لو قلت: الرجال والنساء جميع في كذا، صح أن يكون خبرا.
لا يقال كافة لا يصلح أن يكون خبرا، لا تقول: الزيدون والعمرون كافة، في كذا، فلا يجوز أن يقع حالا على ما قررت، لأن امتناع ذلك إنما هو بسبب مادة: كافة، إذ لم يتصرف فيها، بل التزم نصبها على الحال، لكن مرادفها يصح فيه ذلك، وقوله: والمراد بالكافة الجماعة التي يكف مخالفها، يعني: أن هذا في أصل الوضع، ثم صار الاستعمال لها لمعنى: جميعا، كما قال هو وغيره، وكافة: معناه جميعا.
* (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) * قد تقدم تفصيل هاتين الجملتين بعد قوله: * (النار يأيها الناس كلوا مما فى الارض حلالا طيبا) * فأغنى ذلك عن إعادته، وقال صاحب (الكتاب الموضح) أبو عبد الله نصر بن علي بن محمد: عرف بابن مريم، أن ضم عين الكلمة في مثل هذا، نحو: عرفة وعرفات، هو مذهب أهل الحجاز، وقال فيمن سكن الطاء: إنهم لما جمعوا نووا الضمة في الطاء، ثم أسكنوها استخفافا، وهو في تقدير الثبات يدل على أن الضمة في حكم الثابت، أن هذه حركة يفصل بها بين الاسم والصفة، كما هي في جمع: فعلة