تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١١٨
زائدة، وإذا استعمل خبرا لا يزاد فيه الباء وصفة فيضاف، ولا يتعرف إذا أضيف إلى معرفة، تقول: مررت برجل حسبك، ويجيء معه التمييز نحو: برجل حسبك من رجل ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، وإن كان صفة لمثنى أو مجموع أو مؤنث لأنه مصدر.
المهاد: الفراش وهو ما وطئ للنوم، وقيل: هو جمع مهد، وهو الموضع المهيأ للنوم.
السلم: بكسر السين وفتحها: الصلح، ويذكر ويؤنث، وأصله من الاستسلام، وهو الانقياد. وحكى البصريون عن العرب: بنو فلان سلم وسلم بمعنى واحد، ويطلق بالفتح والكسر على الإسلام، قاله الكسائي وجماعة من أهل اللغة، وأنشدوا بعض قول كندة:
* دعوت عشيرتي للسلم لما * رأيتهم تولوا مدبرينا * أي: للإسلام، قال ذلك لما ارتدت كندة مع الأشعث بن قيس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال آخر في الفتح:
* شرائع السلم قد بانت معالمها * فما يرى الكفر إلا من به خبل * يريد: الإسلام، لأنه قابله بالكفر، وقيل بالكسر: الإسلام وبالفتح: الصلح.
كافة: هو اسم فاعل استعمل بمعنى: جميعا، وأصل اشتقاقه من كف الشيء: منع من أخذه، والكف المنع، ومنه كفة القميص حاشيته، ومنه الكف وهو طرف اليد لأنه يكف بها عن سائر البدن، ورجل مكفوف منع بصره أن ينظر، ومنه كفة الميزان لأنها تمنع الموزون أن ينتشر، وقال بعض اللغويين: كفة بالضم لكل مستطيل، وبالكسر لكل مستدير، وكافة: ممها لزم انتصابه على الحال نحو: قاطبة، فإخراجها عن النصب حالا لحن.
التزيين: التحسين، والزينة مما يتحسن به ويتجمل، وفعل من الزين بمعنى الفعل المجرد، والتضعيف فيه ليس للتعدية، وكونه بمعنى المجرد وهو أحد المعاني التي جاءت لها فعل كقولهم: قدر الله، وقدر. وميز وماز، وبشر وبشر، ويبنى من الزين افتعل افتعال: ازدان بإبدال التاء دالا، وهو لازم.
* (واذكروا الله فى أيام معدودات) * هذا رابع أمر بالذكر في هذه الآية، والذكر هنا التكبير عند الجمرات وإدبار الصلاة وغير ذلك من أوقات الحج، أو التكبير عقيب الصلوات المفروضة، قولان. وعن عمر أنه كان يكبر بفسطاطه بمنى فيكبر من حوله حتى يكبر الناس في الطريق، وفي الطواف، والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وليس يوم النحر من المعدودات، هذا مذهب الشافعي، وأحمد، ومالك وأبي حنيفة، قاله: ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وإبراهيم، وقتادة، والسدي، والربيع، والضحاك. أو يوم النحر ويومان بعده، قاله: ابن عمر، وعلي، وقال: إذبح في أيها شئت، أو يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، قاله: المروزي. أو أيام العشر، رواه مجاهد عن ابن عباس، قيل: وقولهم أيام العشر، غلط من الرواة، وقال ابن عطية: إما أن يكون من تصحيف النسخة، وإما أن يريد العشر الذي بعد يوم النحر، وفي ذلك بعد.
وتكلم المفسرون هنا على قوله: * (فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام) * ونحن نؤخر الكلام على ذلك إلى مكانه إن شاء الله.
واستدل ابن عطية للقول الأول وهو: أن الأيام المعدودات: أيام التشريق وهي الثلاثة بعد يوم النحر، وليس يوم النحر منها. بأن قال: ودل على ذلك إجماع الناس على أنه لا ينفر أحد يوم القر. وهو ثاني يوم النحر، ولو كان يوم النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من شاء متعجلا يوم القر، لأنه قد أخذ يومين من المعدودات انتهى كلامه.
ولا يلزم ما قاله: فمن تعجل في يومين، لا يمكن حمله على ظاهره، لأن الظرف المبني إذا عمل فيه الفعل فلا بد من وقوعه في كل واحد من اليومين، لو قلت: ضربت زيدا يومين، فلا بد من وقوع الضرب
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»