تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٣٢
المفتوحة الفاء، فلا تحذف عين الاسم حذفا، إذ هي فارقة بينه وبين الصفة، فهي منوية لا محالة. انتهى كلامه.
واتضح من هذا أنه في الصفة لا ينقل، فإذا جمعنا: حلوة وضحكة، المراد به صفة المؤنث، فلا تقول: حلوات، ولا ضحكات، بضم عين الكلمة، وعلى هذا قياس: فعلة، الصفة نحو: جلفة، لا يقال فيه جلفات.
* (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات) * أي: عصيتم أو كفرتم، أو أخطأتم، أو ضللتم، أقوال ثانيها عن ابن عباس وهو الظاهر لقوله: ادخلوا في السلم، أي الإسلام، فإن زللتم عن الدخول فيه، وأصل الزلل للقدم، يقال: زلت قدمه، كما قال.
ولا شامت إن نعل عزة زلت ثم يستعمل في الرأي والاعتقاد، وهو الزلق، وقد تقدم شيء من تفسير في قوله: * (فأزلهما الشيطان عنها) *.
وقرأ أبو السماك: فإن زللتم، بكسر اللام، وهما لغتان: كضللت وضللت.
والبينات: حجج الله ودلائله، أو محمد صلى الله عليه وسلم)، كما قال: * (حتى تأتيهم البينة * رسول من الله) * وجمع تعظيما له، لأن وإن كان واحدا بالشخص، فهو كثير بالمعنى: أو القرآن قاله ابن جريج، أو التوراة والإنجيل قال: * (ولقد جاءكم موسى بالبينات) * وقال * (ولقد ءاتينا موسى الكتاب وقفينا) * وهذا يتخرج على قول من قال: إن المخاطب أهل الكتاب، أو الإسلام، أو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المعجزات، أقوال ستة.
وفي (المتخب) البينات: تتناول جميع الدلائل العقلية والسمعية من حيث إن عذر المكلف لا يزول إلا عند حصول البينات، لا حصول التبيين من التكليف. انتهى كلامه.
والدلائل العقلية لا يخبر عنها بالمجيء لأنها مركوزة في العقول، فلا ينسب إليها المجيء إلا مجازا، وفيه بعد.
* (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) * أي: دوموا على العلم، إن كان الخطاب للمؤمين، وإن كان للكافرين أو المنافقين فهو أمر لهم بتحصيل العلم بالنظر الصحيح المؤدي إليه، وفي وصفه هنا بالعزة التي هي تتضمن الغلبة والقدرة اللتين يحصل بهما الانتقام، وعيد شديد لمن خالفه وزل عن منهج الحق، وفي وصفه بالحكمة دلالة على إتقان أفعاله: وأن ما يرتبه من الزاوجر لمن خالف هو من مقتضى الحكمة، وروي أن قارئا قرأ، غفور رحيم، فسمعه أعرابي فأنكره، ولم يكن يقرأ القرآن، وقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم، لا يذكر الغفران عند الزلل، لأنه إغراء عليه، وقد روي عن كعب نحو هذا، وأن الذي كان يتعلم منه أقرأه: فاعلموا أن الله غفور رحيم، فأنكره حتى سمع: * (عزيز حكيم) * فقال: هكذا ينبغي.
* (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) *؟ هل: هنا للنفي، المعنى: ما ينظرون، ولذلك دخلت إلا، وكونها بمعنى النفي إذ جاء بعدها: إلا، كثير الاستعمال في القرآن، وفي كلام العرب، قال تعالى: * (وهل * نجزى إلا الكفور) * * (فهل يهلك إلا القوم * الظالمون) * وقال الشاعر:
* وهل أنا إلا من غزية إن غوت * غويت، وإن ترشد غزية أرشد * و: ينظرون، هنا معناه: ينتظرون، تقول العرب: نظرت فلانا انتظره، وهو لا يتعدى لواحد بنفسه إلا بحرف جر. قال امرؤ القيس:
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»