أكر عليهم دعلجا ولبانه.
لأن الإفساد شامل يدخل تحته إهلاك الحرث والنسل، ولكنه خصهما بالذكر لأنهما أعظم ما يحتاج إليه في عمارة الدنيا، فكان إفسادهما غاية الإفساد.
من فسر الإفساد بالتخريب، جعل هذا من باب التفصيل بعد الإجمال.
و: يهلك الحرث والنسل، تقدم ذكر الحرث في قوله: * (ولا تسقى الحرث) * وتقدم ذكر النسل في الكلام على المفردات، وعلى ما تقدم من أن الآية في الأخنس، يكون الحرث الزرع، والنسل الحمر التي قتلها، فيكون النسل المراد به الدواب ذوات النسل. وقيل: المراد هنا بالحرث هنا النساء، وبالنسل الأولاد، وقال تعالى: * (نساؤكم حرث لكم) * وذكره ابن عطية عن الزجاج احتمالا، فيكون من الكناية، وهو من ضروب البيان.
وقرأ الجمهور: ويهلك، من أهلك. عطفا على: ليفسد، وقرأ أبي: وليهلك، بإظهار لام العلة، وقرأ قوم: ويهلك، من أهلك، وبرفع الكاف. وخرج على أن يكون عطفا على قوله: يعجبك، أو على: سعى، لأنه في معنى: يسعى، وأما على الاستئناف، أو على إضمار مبتدأ، أي: وهو يهلك.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو حيوة، وابن محيصن: ويهلك من هلك، وبرفع الكاف، والحرث والنسل على الفاعلية، وكذلك رواه حماد بن سملة عن ابن كثير، وعبد الوراث عن أبي عمرو، وحكى المهدوي أن الذي رواه حماد عن ابن كثير، إنما هو: ويهلك من أهلك، وبضم الكاف، الحرث بالنصب.
وقرأ قوم: ويهلك من هلك، وبفتح اللام، ورفع الكاف ورفع الحرث، وهي لغة شاذة نحو: ركن يركن، ونسبت هذه القراءة إلى الحسن الزمخشري.
قال الزمخشري: وروى عنه، يعنى عن الحسن، ويهلك مبنيا للمفعول، فيكون في هذه اللفظة ست قراءآت: ويهلك وليهلك ويهلك، وما بعد هذه الثلاثة منصوب، لأن في الفعل ضمير الفاعل، ويهلك ويهلك ويهلك، وما بعد هذه الثلاثة مرفوع بالفعل، وهذه الجملة الشرطية إما مستأنفة، وتم الكلام عند قوله: وهو ألد الخصام، وإما معطوفة على صلة من أو صفتها، من قوله: ويعجبك.
* (والله لا يحب الفساد) * تقدمت علتان، والثانية داخلة تحت الأولى، فأخبر تعالى أنه لا يحب الفساد، واكتفى بذكر الأولى لانطوائها على الثانية وإن فسرت المحبة بالإرادة، وقد جاءت كذلك في مواضع منها: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) * فلا بد من التخصيص، أي: لا يحب من أهل الصلاح الفساد، ولا يمكن الحمل على العموم إذ ذاك على مذهبنا لوقوع الفساد، فلو لم يكن مرادا لما كان واقعا. وقد تعلقت المعتزلة بهذه الآية في أن الله لا يريد الفساد، فما وقع منه فليس مراد الله تعالى، ولا مفعولا له، لأنه لو فعله لكان مريدا له لاستحالة أن يفعل ما لا يريد؛ قالوا: ويدل على أن محبته الفعل هي إرادته له، أنه غير جائز أن يحب كونه ولا يريد أن يكون، بل يكره أن يكون. وفي هذا ما فيه من التناقض. انتهى ما قالوا: وقيل: المعنى والله لا يحب الفساد دينا، وقيل: هو على حذف مضاف أي: أهل الفساد، وقال ابن عباس: المعنى لا يرضى المعاصي، وقيل: عبر بالمحبة عن الأمر أي: لا يأمر بالفساد.
وقال الراغب: الإفساد إخراج الشئ من حالة محمودة لا لغرض صحيح، وذلك غير موجود في فعل الله تعالى، وهذه التأويلات كلها هو على ما ذهب إليه المتكلمون من أن الحب بمعنى الإرادة، قال ابن عطية: والحب له على الإرادة مزية إيثار، فلو قال أحد: إن الفساد المراد تنقصه مزية الإيثار لصح ذلك إذ الحب من الله تعالى إنما هو لما حسن من جميع جهاته. انتهى كلامه. وإذا صح هذا اتضح الفرق بين الإرادة والمحبة، وصح أن الله يريد الشيء ولا يحبه.
وقال بعضهم: سوى المعتزلة بين المحبة والإرادة واستدلوا بهذه، وجمهور العلماء على خلاف ذلك، والفرق بين الإرادة والمحبة بين، فإن الإنسان