التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٠٠
وليعلم الله من ينصره ورسله والمنافع للناس سكك الحرث والمسامير وغير ذلك * (فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) * أي من ذرية نوح وإبراهيم مهتدون قليلون وأكثرهم فاسقون لأن منهم اليهود والنصارى وغيرهم * (وقفينا) * ذكر في البقرة * (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة) * هذا ثناء عليهم بمحبة بعضهم في بعض كما وصف أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم رحماء بينهم * (ورهبانية ابتدعوها) * الرهبانية هي الانفراد في الجبال والانقطاع عن الناس في الصوامع ورفض النساء وترك الدنيا ومعنى ابتدعوها أي أحدثوها من غير أن يشرعها الله لهم وإعراب رهبانية معطوف على رأفة ورحمة أي جعل الله في قلوبهم الرأفة والرحمة والرهبانية وابتدعوها صفة للرهبانية والجعل هنا بمعنى الخلق والمعتزلة يعربون رهبانية مفعولا بفعل مضمر يفسره ابتدعوها لأن مذهبهم أن الإنسان يخلق أفعاله فأعربوها على مذهبهم وكذلك أعربها أبو علي الفارسي وذكر الزمخشري الوجهين * (ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله) * كتبنا هنا بمعنى فرضنا وشرعنا وفي هذا قولان أحدهما أن الاستثناء منقطع والمعنى ما كتبنا عليهم الرهبانية ولكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله والآخر أن الاستئناف متصل والمعنى كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله والأول أرجح لقوله * (ابتدعوها) * ولقراءة عبد الله بن مسعود ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها * (فما رعوها حق رعايتها) * أي لم يدوموا عليها ولم يحافظوا على الوفاء بها يعني أن جميعهم لم يرعوها وإن رعاها بعضهم والضمير في رعوها للذين ابتدعوا الرهبانية وكان يجب عليهم إتمامها وإن لم يكتبها الله سبحانه وتعالى عليهم لأن من دخل في شئ من النوافل يجب عليه إتمامه وقيل الضمير لمن جاء بعد الذين ابتدعوا الرهبانية من أتباعهم * (وآمنوا برسوله) * إن قيل كيف خاطب الذين آمنوا وأمرهم بالإيمان وتحصيل الحاصل لا ينبغي فالجواب من وجهين أحدهما أن معنى آمنوا دوموا على الإيمان واثبتوا عليه والآخر أنه خطاب لأهل الكتاب فالمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا قوله يؤتكم كفلين من رحمته أي نصيبين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي الحديث * (ويجعل لكم نورا تمشون به) * يحتمل أن يريد النور الذي يسعى بين أيدي المؤمنين يوم القيامة أو يكون عبارة عن الهدى ويؤيد الأول أنه مذكور في هذه السورة ويؤيد الثاني قوله وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ من فضل الله " لا في قوله لئلا زائدة والمعنى ليعلم أهل الكتاب وكذلك قرأها ابن عباس
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»