التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٦٤
وقيل يعني خلق آدم وقيل خلق السماوات والأرض والأول أظهر ومقصود الآية الاستدلال بالخلقة الأولى على البعث والهمزة للإنكار * (بل هم في لبس من خلق جديد) * أي هم في شك من البعث وإنما نكر الخلق الجديد لأنه كان غير معروف عند الكفار المخاطبين وعرف الخلق الأول لأنه معروف معهود * (ولقد خلقنا الإنسان) * يعني جنس الإنسان ومعنى توسوس به نفسه تحدثه نفسه في فكرتها وذلك أخفى الأشياء وقيل يعني آدم ووسوسته عند أكله من الشجرة والأول أظهر وأشهر * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * هو عرق كبير في العنق وهما وريدان عن يمين وشمال وهذا مثل في فرط القرب والمراد به قرب علم الله واطلاعه على عبده وإضافة الحبل إلى الوريد كقولك مسجد الجامع أو يراد بالحبل العاتق * (إذ يتلقى المتلقيان) * يعني الملكين الحافظين الكاتبين للأعمال والتلقي هو تلقى الكلام بحفظه وكتابته والعامل في إذ نحن أقرب وقيل مضمر تقديره اذكر واختاره ابن عطية * (عن اليمين وعن الشمال قعيد) * أي قاعد وقيل مقاعد بمعنى مجالس ورده ابن عطية بأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان والقاعد يكون على جميع هيئة الإنسان وإنما أفرده وهما اثنان لأن التقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه وقال الفراء لفظ قعيد يدل على الاثنين والجماعة فلا يحتاج إلى حذف * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * العتيد الحاضر وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن مقعد الملكين على الشفتين قلمهما اللسان ومدادهما الريق وعموم الآية يقتضي أن الملكين يكتبان جميع أعمال العبد ولذلك قال الحسن وقتادة يكتبان جميع الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات والسيئات ويمحو غير ذلك وقال عكرمة إنما تكتب الحسنات والسيئات لاغير * (وجاءت سكرة الموت بالحق) * أي بلقاء الله أو فراق الدنيا وفي مصحف عبد الله ابن مسعود وجاءت سكرة الحق بالموت وكذلك قرأها أبو بكر الصديق وإنما قال جاءت بالماضي لتحقق الأمر وقربه وكذلك ما بعده من الأفعال * (ذلك ما كنت منه تحيد) * أي تفر وتهرب والخطاب للإنسان * (سائق وشهيد) * السائق ملك يسوقه وأما الشهيد فقيل ملك آخر يشهد عليه وهو الأظهر وقيل صحائف الأعمال وقيل جوارح الإنسان * (لقد كنت في غفلة من هذا) * خطاب للإنسان الذي يقتضيه قوله كل نفس يريد أنه كان غافلا عما لقى في الآخرة وقيل هو خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أي كنت في غفلة من هذا القصص وهذا في غاية الضعف لأنه خروج عن سياق الكلام * (فكشفنا عنك غطاءك) * قيل كشف الغطاء معاينته أمور الآخرة * (فبصرك اليوم حديد) * أي يبصر مالم يبصره قبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " وقال قرينه هذا مالدي عتيد " القرين هنا الشيطان الذي كان يغويه وقيل الملك الذي يتولى عذابه في جهنم والأول أرجح لأنه هو القرين المذكور بعد ولقوله
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»